حاوره - خالد بن عبدالعزيز المشاري:
تجربة ثرية وطويلة امتدت لقرابة التسعين عاما قضاها العم أحمد بن محمد الشلفان بين التعليم والتجاري وشتى مناحي الحياة، تجربة جعلتني أقف معه وأتحدث معه وأنقل له خاصة هذه العقود التي قضاها متنقلا في محطات كثيرة، من بينها شهر رمضان الكريم...
وقبل أن أترككم مع الحوار لابد من توجيه الشكر والتقدير لسعادة الدكتور عادل ابن المتحاور معه على تنسيقه وترتيبه لخدمة هذا اللقاء ونجاحه.
يقول العم أحمد الشلفان: كانت ولادتي في الداخلة بسدير في العام 1347هـ تقريبا وعشت فيها حتى سن العاشرة.
ثم انتقلت مع أهلي إلى شقراء حيث كان والدي يعمل في التجارة وكانت شقراء ملتقى لقوافل التجار وكان والدي يتنقل بين شقراء والداخلة والكويت بغرض التجارة.
بدايات التعليم والتنقل بين سدير والوشم
ويضيف الشلفان : لم يكن في سدير ولا شقراء في ذلك الوقت مدارس نظامية مما دعا والدي لإرسالي عند عمي عبدلله في الكويت والتحقت بمدرسة الملا مرشد وكان معنا من بين الطلاب الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الحالي ودرست هناك لمدة سنتين.
بعد ذلك طلب والدي من عمي عبدالله عودتي إلى شقراء حيث تم افتتاح أول مدرسة نظامية في شقراء في العام1360هـ تقريبا والتحقت بها وكان وقتها لدي معرفة بالقراءة والكتابة والقرآن الكريم ودرست في الصف الثالث وبعد أن أنهيت دراستي في الصف الرابع الابتدائي تم إرسالي مع مجموعة من الطلبة لإكمال الدراسة بالمرحلة الابتدائية في مدرسة دار التوحيد بالطائف وكان من ضمن الطلبة ذلك الوقت عدد من الزملاء منهم الشيخ/ صالح الحصين «رحمه الله».
وبعد حصولنا على الشهادة الابتدائية من مدرسة دار التوحيد بالطائف كافأتنا مديرية التعليم بأداء فريضة الحج في العام 1367هـ تقريبا وفي تلك الفترة تشرفنا بالسلام ومقابلة الملك عبدالعزيز «رحمه الله» في قصر السقاف بمكة المكرمة.
بعد ذلك طلبت الالتحاق بمدرسة دار تحضير البعثات في مكة المكرمة لإكمال دراستي في المرحلة المتوسطة والثانوية وأنهيتها في العام 1373هـ.
تقاسمت المكافأة مع الشيخ صالح الحصين
وفي العام 1374هـ تم ابتعاثي للقاهرة ضمن الدفعة الثالثة للدراسة هناك والتحقت بكلية التجارة، وكنت ومعالي الشيخ صالح الحصين رحمه الله نسكن في غرفة واحدة ننام ونأكل ونشرب مع بعض.
ويتذكر الشلفان موقفا طريفا مر به في مرحلة الابتعاث إلى مصر
من المواقف الطريفة التي لا زلت أتذكرها بعد أن استلمت مكافأتي 15جنية مصري فقدت مني داخل الأتوبيس ولما علم الشيخ/ صالح الحصين رحمه الله باأمر قال مكافأتي أقسمها بين وبينك وستكفينا لنهاية الشهر.
وحين سألته هل تجيد لغات أخرى؟
أجاب : تعلمت أساسيات اللغة الإنجليزية في مدرسة دار البعثات في مكة المكرمة واللغة الفرنسية تعلمتها أثناء دراستي في كلية التجارة في القاهرة حيث كانت إحدى المقررات في الكلية.
ويتحدث الشلفان عن عمله بعد العودة من البعثة، فيقول: عملت في وزارة المالية على وظيفة مدير إدارة الشؤون الاقتصادية لمدة 4 سنوات من 1379ـ 1382هـ وكان الشيخ/ عبدالله بن عدوان «رحمه الله» وزيراً للمالية في وقتها.
وفي العام 1382هـ انتقلت للعمل في وزارة الداخلية مديراً عاماً لمكتب وزير الداخلية بطلب من الملك فهد «رحمه الله» حينما كان وزيراً للداخلية وعملت فيها لمدة عامين
بعدها تم تكليفي مديراً للإدارة المالية بوزارة الداخلية لمدة 4 سنوات 1384- 1387هـ وبعدها تقدمت باستقالتي وتفرغت لأعمالي الخاصة.
وينصح العم أحمد الشلفان الجميع وعلى رأسهم الشباب بالالتزام والتمسك بالدين والاعتدال فيه وطاعة ولاة الأمر والحرص على طلب العلم والبحث عن العلم والمساهمة في بناء المجتمع واستغلال أوقاتهم فراغهم بما يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع والفائدة.
ذكريات رمضانية
وقلت للعم أحمد: وبما أننا في شهر رمضان المبارك حدثنا عن رمضان في الماضي فمتى وكيف يصلكم خبر دخول شهر رمضان المبارك؟
وأجاب عن سؤالي: في أغلب الأحيان يصلنا في أول ليلة من رمضان فنصلي التراويح
وفي مرات قليلة يصلنا متأخرا في أول النهار فنمسك في ذلك اليوم ونقضيه بعد العيد
ويصلنا الخبر عن طريق أحد الأشخاص المشهورين والمعروفين بالرؤية في البلد وهذا نادرا
أو عن طريق أمير البلد بعد أن يصله خط أو مندوب من القاضي بثبوت رؤية الهلال في بلد آخر أو عن طريق البرقية.
وسألته: كيف تستعدون عند وصولكم خبر دخول شهر رمضان المبارك؟
فقال: يبتهج الناس فرحاً بدخول شهر رمضان المبارك ويهنئون بعضهم البعض ويتسابق الجميع لفعل الخير ويتزاور الأقارب والجيران للتهنئة بدخول شهر رمضان المبارك
ومن الاستعدادات لهذا الشهر الفضيل تنظيف المساجد وفرشها بالمدات وهي نوع من «الحصير» وتنظيف الطرقات وإنارتها بواسطة السراج (سراج ابو دنان ثم أتى بعده سراج القاز)
تهيئة مكان الوضوء «الدلو» وتوفير الماء في «المسقاة»
ويتسابق الصغار قبيل المغرب لملأ «قرب الماء» وتعليقها في المساجد حتى تبرد وكذلك رش أرضية المسجد بالماء حتى يبرد وتكثر حركة البيع والشراء بعد الظهر فيعرض التجار بضاعتهم والفلاحين منتوجاتهم او محصولاتهم) الزراعية في السوق.
صمت وعمري عشر سنوات
ويتذكر الشلفان طفولته في شهر رمضان الكريم فيقول: صمت لأول مرة في عمر الـ10 سنوات تقريبا وكان أهلي يمنعوني من الصيام ولكني أصر على الصيام.
وقد كان في الماضي كان مشقة لصعوبة الحياة وقلة الأكل والشرب وصعوبة الحصول على الماء بسهولة بسبب عدم توفر الكهرباء وعدم توفر وسائل النقل والمواصلات. أما في الوقت الحاضر فنحمد الله لا يوجد مشقة وننعم بنعم كثيرة بفضل الله ثم دعم وتشجيع حكومتنا الرشيدة وأهمها الأمن والأمان وتوفير سبل الراحة والطمأنينة للمواطنين.
وعن الأصناف التي كانت تتواجد في الفطور والسحور في الماضي يقول الشلفان: في الفطور الماء والتمر والقهوة والمريس وبعد صلاة التراويح يقدم القرصان أو الجريش.
أما في السحور الماء والمرقوق.
ويضيف ضيفنا: في الحر الشديد نستخدم «المهاف» وهي مصنوعة من خوص النخيل ونضع الشراشف في الماء ونعلقها لتبرد علينا الهواء والماء نضعه في «القربة» ونعلقها حتى تبرد وبعد فترة دخل علينا «الزير» مصنوع من الفخار ونصلي في سطح المسجد وفي السرحات الخارجية. أما في البرد الشديد فنشعل النار للتدفئة ونسخن الماء للوضوء ونصلي في خلوة المسجد.
ورداً على سؤالي: متى تنامون وتصحون في رمضان؟
قال الضيف: بعد صلاة التراويح يجتمع الأهالي ويتقهوون للساعة 4 وتوافق 10 ليلا
ويصحون قبل الفجر للسحور.
العمل قديماً في رمضان
يقول ضيفنا: في الصيف يعمل معظم الناس من بعد الفجر لمنتصف الضحى لشدة الحرارة
أما في الشتاء فيعملون لأذان الظهر وبعد الصلاة يحرصون على النوم بين صلاتي الظهر والعصر استعدادا لصلاة التراويح وبعد صلاة العصر يكون فيه درس ثم نقرأ القرآن الكريم لمنتصف العصر وبعدها كل يذهب لقضاء حوائجه.
صلاة التراويح والعشر الأخيرة
يقول العم أحمد: يصلي الكبار والنساء وبعض الصغار وعدد ركعاتها 13 ركعة 10 تراويح وركعتين الشفع وركعة الوتر.
وفي العشر الأواخر: يقل نشاط الناس في نهار رمضان وبعضهم يعتكف في المسجد ويحرص الكثير من الناس على قراءة القرآن الكريم في المساجد وفي صلاة القيام يقدم الماء والتمر والاقط على المصلين.
وعن الأوقاف في البلدة يقول العم أحمد: في الغالب هناك شخص يكون هو المسؤول عنها والقائم عليها أو إمام المسجد أو نفس الشخص الذي أوقفها وتصرف على المحتاجين من أهل البلد والصوام وابن السبيل وكذلك في صيانة المساجد وغالبا تكون من التمر.
ذكريات عيد الفطر
يقول العلم أحمد مظاهر الحوامة تكون في أخر نهار من رمضان ونقوم بالمرور على بيوت الجيران وأهل البلد ونطلب منهم العيدية وغالباً تكون من الحلوى المكشوفة أو «البياز» عملة قديمة وانقرضت.
ويخصص للعيد ملابس جديدة وبعد صلاة العيد نسلم على بعض للتهنئة بإتمام الصيام والمباركة بالعيد ثم يجتمع الناس في الشارع ويفرشون البسط والحصر وكل بيت يقدم ماتيسر له وغالبا يكون الجريش.
بين رمضان في الماضي والحاضر
يختم ضيفنا حديثه بقوله: في الماضي كان يغلب على الناس البساطة وعدم الكلفة والقناعة بالشيء اليسير وعلاقة الناس مع بعضهم البعض قوية وتكثر الزيارات بينهم ويسألون عن أحوال بعضهم البعض.
أما في الوقت الحاضر فيغلب على الناس الكلفة والمظاهر الزائدة وكل شخص منشغل بنفسه يقضي يومه في قضاء مصالحه وقلت الزيارات بين الناس وتعددت أصناف الأكل والشرب وقد يكون فيها نوع من التبذير والإسراف وكثر السهر وانشغل الناس بوسائل التقنية الحديثة ومشاهدة القنوات الفضائية.