عبدالعزيز السماري
الثقافة مصطلح غير متفق عليه في الخطاب الاجتماعي، فتارة يتم تقديمه على أنه التقاليد والعادات والسمات التي تتصف بها المجتمعات، وفي جانب آخر يتم التعامل معه على أنه القدرة المعرفية والعلمية والأدبية، أو رصيد معين من المعلومات تؤهل المرء ليكون في خانة المثقفين.
بينما فلسفياً تم تعريف هذا المفهوم على أنه الإطار العام للعقلانية النقدية القادرة على فك الطلاسم وكشف المستور، ومن المدهش أن يفسر القاموس العربي القديم ثقف الشيء بإصلاح إعوجاجه، وهو ما يعني أن مفهوم المثقف أو الثقافة يدخل في معترك الأختلاف والخلاف والصدام مع الآخرين.
في العلوم الإنسانية، قُدمت الثقافة بصفتها سمة للفرد، وهي الدرجة التي يقيسون بها مستوى معين من التطور في الفنون أو العلوم أو التعليم أو الأخلاق بين الأفراد، كما ينظر أحيانًا إلى مستوى التطور الثقافي على أنه يميز الحضارات عن المجتمعات الأقل تعقيدًا..
كما توجد أيضًا وجهات نظر هرمية حول الثقافة في التمييز الطبقي بين الثقافة الرفيعة للنخبة الاجتماعية وبين الثقافة المتدنية أو الثقافة الشعبية أو الثقافة الفكلورية للطبقات الدنيا، وهو ما يزيد من ضبابية هذا المصطلح الشهير، وهو استعمال غير صحيح وليس في محله، فاختلاف طبقات المجتمع على أساس مادي ليس له علاقة بالثقافة..
فالثقافة ليس لها إطار اجتماعي، فالسلطان قد يكون مثقفاً، وقد يصطدم مع المجتمع وتقاليده، بينما قد يكون مثقف الجماعة مصدراً للقلق عند السلطة، وقد تكون الأطروحات الثقافية التي يروج لها تتعارض مع مصالح السلطة، وربما ذلك مربط الفرس في ما يُطلق عليه بالثقافة في هذا العصر.
الثقافة مصطلح ملتبس وغائم، وارتبط كثيرًا بالفلسفة وبتاريخ طويل من التحولات العقلانية، كذلك لا يمكن فصل الثقافة عن تطور مستويات التعليم، فالمنتج الأعلى لمراحل التعليم والتخصص قد يكون ثقافة في بعض أوجهه، وكلما ازدادت مستويات الوعي نال التفكير الثقافي مساحات أكثر وأكبر، وهكذا.
لذلك من الخطأ أن نفهم الثقافة على أنها التقاليد والعادات القديمة، لكنها قد تعني تراكم الوعي نتيجة لجهود متواصلة للعقلانية النقدية، ولارتفاع وتيرة ثقافة الأسئلة، وتطور مستويات التعليم، وربما نحتاج إلى تقديم تعريفات أكثر دقة في المستقبل لهذا المصطلح الشهير، والذي لا يعني على وجه التحديد العلم، ولم يكن بأي حال المعنى المضاد للأمية.
الثقافة في مدولاتها السائدة بين المثقفين هي تلك النظرة النقدية للأشياء من حولهم، ومهمتها تفكيك العلاقات التقليدية في المجتمع، ومن هذا المنطلق قد يقع المحظور ويصطدم احياناً المثقف مع السلطة، ولهذا السبب من الضروري جداً تقنين حرية التعبير بخطوط واضحة للجميع، وذلك حتى لا يكون سوء الفهم أو الفهم المغلوط لمصطلح الثقافة كارثة على المثقفين وغيرهم.