د. حمزة السالم
هذه القواعد مستنبطة من إرشاد رسول الله عليه الصلاة والسلام لنا في كيفية استنباط العلة في أحكام المعاملات لا العبادات. فإن استُنبطت علة لعبادة فاعلم أنها علة باطلة شرعا ومنطقا.
فتأصيل جواز القياس بالعلة شرعا، مستند على تعليم نبينا عليه الصلاة والسلام، كيفية استنباط العلة في نصه على العلة في تحريم الخمر. لذا فكل قاعدة هنا هي اختبار يُمحِص ويختبِر خروج العلة المستنبطة، عن قواعد العلة النصية التي نص عليها الوحي. فتفقد بذلك مستندها الشرعي كما فقدت مستندها المنطقي. والقواعد حسب ما وسعه إدراكي، ثلاث عشرة قاعدة، منها ثلاثة سبق استنباطها أو ذكرها من قبل. ولا يعني هذا قصر القواعد، على الثلاث عشرة قاعدة. والقواعد، منها ثمانية خاصة بالعلة وحدها. والخمسة الأخرى يلابسها سبب أوشرط ومانع، فتصلح للإعانة على التفريق بين العلة والسبب والشرط أو المانع.
وسنسرد اليوم من السبعة الخالصة أربعة:
1. أن تكون العلة متعلقة بأصل الشيء المنصوص عليه بحكم تحريم أو تحليل: فعلة الإسكار في الخمر. فالإسكار متعلق بالشيء الذي يسبب الإسكار لا في الشارب نفسه. فقد يجادل مجادل بأنه لا يسكر مهما شرب من الخمر. فيرد عليه أن الحكم متعلق بالخمر، لا بشاربه. ولو قيل إن هناك من الناس من يدخن فيسكر فهل يحرم في حقه. فيقال لا، لأن التحريم متعلق بالشيء الذي يُسكر لا متعاطيه.
2. إن العلة تكون في الأشياء لا في الأفعال. فالقياس على الخمر لا على شرب الخمر ولا شاربه. والقياس على الأصناف الستة، لا على معاملة النسيئة أو الحاضر. والقياس على زكاة الذهب يكون في الأموال لا في إخراج الزكاة ولا على مُخرجها.
3. ولا يمكن للعلة أن تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأحوال. والتغير غير نشوء أسباب أو شروط أو موانع جديدة أو قديمة لم تكن تُعرف. فالتغيير هو التحول من شيء لآخر. فالتغيير لا يكون في العلة، ويكون في الأسباب وبالتالي فغالبا سيكون في الشروط والموانع.
فلا يقال إن علة الإسكار كانت سكر الخمر، وأصبحت اليوم هي كل ما يفقد العقل كالمخدرات. فهذا غير صحيح. فالسكر أمر، وفقد العقل أو الهلوسة أو الانتعاش أمر آخر. وعلة تحريم الخمر هي السكر قد نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي كذلك حتى تقوم الساعة. وعلة الربا في الذهب والفضة كونهما ذهبا وفضة، علة قاصرة عليهما. فمن قال إنها الثمنية المطلقة أو كونهما أثمانا، نقول له علتك باطلة، فقد تغير حال الذهب والفضة، فلم يعودا أثمانا اليوم.
4. أن العلة لا تتعدد في الحكم الواحد، فإن وصل الناظر إلى علتين لحكم فليعرف أنهما إما حكمين صارا حكما واحدا كجسد الجنين جسدا وحياة الجنين. وأما أن يكونا صفتين لمسمى علة ما. كالإطعام والادخار جعلها البعض علتا الزكاة للأصناف الأربعة، وهما في الواقع صفتين لعلة القوت. والسبت نكمل بقية السبعة، بإذن الله.