خالد بن حمد المالك
عانى الأردن على مدى تاريخه من طقس سياسي وأمني واقتصادي متقلِّب، وكلما حاول أن يداوي جراحه للخروج من النفق المظلم واجهته تحديات جديدة، وعانى من ضغوط داخلية وخارجية، وما إن يجد نفسه في الضفة الأكثر أمانًا حتى تكون الضفة الأخرى قد بدأت في التأثير سلباً على استقراره.
* *
قدر المملكة الأردنية الهاشمية أن تكون على الحدود الساخنة مع إسرائيل، وأن يأتي من يطرحها كوطن بديل للفلسطينيين، وأن تواجه أزمات الجيران من سوريا إلى العراق، دون أن تكون لديها القدرة لامتصاص كل هذه التحديات، التي تضغط عادة باتجاه تحريك الجبهة الداخلية لخلق شيء من الفوضى وعدم الاستقرار.
* *
فالأردن ذو إمكانات مالية واقتصادية محدودة، وتعتمد ميزانيته في جزء منها على المساعدات من الأشقاء والأصدقاء، وهي بالكاد تحاول أن توازن بين الإيرادات والمصروفات، لتجنب البلاد الاحتجاجات الشعبية، وقد تضطر أحياناً إلى المساس بما يدفع المواطنين إلى الخروج إلى الشارع احتجاجاً على ملامسة بعض القرارات وتحديداً الضرائب للقمة عيشهم.
* *
وما يجري الآن في الأردن من مظاهرات واسعة شملت العاصمة ومدناً أردنية أخرى، لم يطفئ لهيبها واستمراريتها عزل رئيس الوزراء، وظهور الملك أمام الشعب في كلمة حاول بها امتصاص الغضب وتهدئة الشارع، وتجنيب البلاد مغبة الانسياق إلى التجاوب مع من يدعون إلى هذا النوع من الاحتجاجات للإخلال بالأمن، باتجاه شل التفكير الحكومي في البحث عن حلول في أجواء هادئة.
* *
قال الملك عبدالله لمواطنيه كلامًا فهمه العقلاء على أنه جرس إنذار لما هو أسوأ إذا ما تواصلت المظاهرات، وفهمه غير هؤلاء على أنه تسخين للشارع للخروج على التقاليد الأردنية والمصالح الأردنية ليحدث تغييرًا كبيرًا، وكأنهم يجهلون ما حدث من خراب للدول التي بدأت المظاهرات فيها بشرارة لتتحول إلى حريق فضياع.
* *
ليس من مصلحة الأردن أن تتواصل المظاهرات، ويتم التجاهل لما وجّه به الملك الوزارة الجديدة، وأن يحصر المتظاهرون معالجة الأزمة الاقتصادية بتوسيع رقعة المظاهرات، دون أن يعطوا فرصة من الوقت للحكماء كي يصلوا إلى حلول ومعالجات تمنع المضي بالمظاهرات لإفساد الاستقرار والأمن في البلاد.
* *
وما جرى في ليبيا وسوريا واليمن وتونس ومصر إثر ما سُمي بالربيع العربي، يجب أن يكون درسًا للمغامرين من الأردنيين، فيتمسكون بوحدتهم، ويحافظون على جبهتهم الداخلية من التأثير السلبي فيها، وأن يتجنبوا التصعيد في عرض مطالبهم، وأن يتحمّلوا مسؤولياتهم في حماية الأردن الشقيق من كل التحديات التي يواجهها الآن، كما تحمّلوا ذلك من قبل.
* *
ما أخشاه على الأردن أن يكون مصيره كمصير الدول العربية الأخرى التي أصبحت تعض أصابع الندم على ما آل إليه حالها بعد مظاهرات سموها ربيعاً عربياً، فيما هي بنتائجها، والأوضاع المأساوية التي أسفرت عنها ليست كذلك. وهو ما يجعلني شديد الاهتمام بانتظار نتائج ما وجَّه به الملك عبدالله لمجلس الوزراء الجديد بمعالجة المنظومة الضريبية، قبل أن يقع الفأس على الرأس.
* *
وحسناً حين أعطى مجلس النقباء مهلة للحكومة الجديدة لبحث قانون الضريبة حتى ولو كانت مشروطة، لأن تعليق المظاهرات يمنح الحكومة فرصة من الوقت لاسترضاء المواطنين، وتطييب خواطرهم من خلال إعادة النظر في نظام الضريبة، بما يلبي مطالب المواطنين، دون أن يعرِّض ميزانية الدولة للعجز أو عدم قدرة الدولة على أن تفي بالتزاماتها الداخلية والخارجية، وعلى من يؤكّد استمراره في المظاهرات أن يتحمّل مسؤولية ما يترتب على ذلك في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.