د. صالح بن سعد اللحيدان
جرت العادة في إهداء الكتب عند كثير من الكتاب منذ ظهور الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام أن يكون الإهداء على مايلي:
1 - على سبيل التقدير.
2 - أو على سبيل بيان الملاحظة والرأي.
3 - أو على سبيل الرغبة في الإطراء.
4 - أو العرض للكتاب والبيان.
5 - أو يكون على سبيل كتابة المقدمة لسبب أو لأسباب.
6 - أو أن يكون من أجل تحقيق الآثار وبيان الصحيح منها والضعيف.
هذه غالب أسباب الإهداء ولاسيما الكتب العلمية لكتب اللغة والنحو وما كتب الثقافة عن هذا ببعيد.
وسوف يتبين في هذا المعجم حسب جهدي من النماذج الآتية شيء ليس بالهين ولاسيما ما كان على سبيل الإطراء والمدح
ولعل هذا النوع هو الشائع بين كثير من الأدباء والكتاب ولعلي لا أبعد النجعة إذا قلت إن هذا النوع هو الشائع على قائمة دائمة في سبيل مقيم.
وأغلب الظن أن المشكلة في هذا النوع أو إن شئت قل العيب أن بعض من يطالع هذا العرض لهذا الكتاب قد يقبل ما قيل عنه مدحاً وثناءً على مصنفه أو جامعه فلعله يقبله على العلات فيعمى عن عيوبه ومثالبه ولاسيما أصول الأخطاء في أساسيات ما يجب طرحه من المؤلف نفسه كنقد الأئمة في اللغة والنحو أو الحديث أو الثقافة.
ومن هنا أقول يزداد أو قد يزداد عمى المصنف عن حقيقة طرحه الذي يجب أن يكون عليه من التأصيل والتقعيد وبذل السعي للإضافات النوعية وأجزم أن اللوم كله يقع على من عرضه وكتب عنه مدحاً وإطراء فهذا سبيل مديم لعله يساهم في نشر العلم والثقافة على علات ما كان يجب أن تكون لولا المبالغة من هذا العارض لهذا الكتاب.
ولعل الشواهد كعادتي في كثير من أطروحاتي هي السبيل الدائم لإثبات الحاصل من خلال الكتب المعاصرة
أولاً: فخذ مثلاً هذا القول (أهداني أستاذي كتابه (...) وقد استعرضته كثيراً لكن ما أوقفني هو ندرة ما قد أورده أستاذنا من آراء جيدة تستحق الإشادة والتنويه)
ثانياً: وأردف فهو يقول (وقد كان أستاذنا القدير يدرسنا أيام الطلب فكان بمثابة المعلم والأب)
ماذا نستفيد؟
وماذا نأخذ من هذا العرض؟
لا شيء، فكيف مثل هذا يكون؟
وإذا تقدمت العاطفة الجياشة لعله من العلل تكون العاطفة هي التي تملي على الذهن ما يترجمه القلم وهذا من أخطاء المعاصرين.
ثالثاً: وخذ مثلاً آخر كدليل على واشمة تدل على نفسها بما لا يجب أن يكون ( هذا كتاب صدر عن دار ( ..... ) للناقد الكبير ( ... ) وحري به أن يكون فتحاً جديداً للنقد المعاصر مع أنه عرف عنه سعة الاطلاع على المدارس النقدية وهذا الكتاب قد آتى بما لا يدع شكاً أنه لا يحتاج إلى تعقيب )
ماذ يريد هذا العارض لهذا الكتاب؟
هذا العارض القارض الذي خلط بين النقد وبين بذل الرأي فقط قد كان بعيداً كل البعد عما يوجب النشر.
ويتبين لي من خلال هذا الإطراء الذي قبله أنه يجر إلى الاستمرار على وابلة على شجر ميت لا يقوم.
وبهذا تختلط مع الأسف عند الناس كثير من المفاهيم والآراء ومن نافلة القول فلعل بعض من تعرض كتبه قد يعطى هالة ليست له فهو نفسه قد يقع في دائرة الانغلاق فلا يضيف جديداً.
ومن هنا قد يتسبب هذا في تضييع العلم بالنقد كما يستبه النقد الموهوب غير الموجود بالأساليب الإنشائية الجريئة المثيرة والمعاندة.
وهذا معلوم من واقع الحال بالضرورة فما عليك إلا القراءة بتدبر وعمق صافيين لتجد أنه لا يمكن الرقم على الماء كما جاء في أمثال الأقدمين.
رابعاً: وهاك نموذجاً آخر قد يغني عن كل نموذج إذا تدبرته بذات تجرد وشفافية قراءة وإبراز العقل دون أن تكون للعاطفة سبيل إليه (ليس ابن مالك إلا وقد أخذ من غيره دون التنويه إلى هذا وليس لابن مالك في ألفيته النحوية إلا العرض فقط)
هذا كلام لا جرم جاء على علاته وفيه جرأة شديدة وكأنه خبر حقيقة ابن مالك عن طريق القياس العقلي أو التشبيهي أو التمثيلي أو على الأقل القياس الظني.
لكن أتدري لماذ كتب هذا؟
لعلي أدري أو لعلي قريب أن أدري من باب التحليل النفسي السريري، لقد كتب هذا ونشره من باب التعالم وجلب النظر وإلا فهناك في آليات الطرح الجيد النزيه، هناك فرق بين السطو والاقتباس وبين السطو وتوارد الخواطر وبين السطو والاستشهاد الظني وهذا معلوم في أصول النحو وعلم البلاغة في سعة أبوابها وما طرحه الأولون عبر القرون من خلال الشعر والحكمة والمثل بل أيضاً ورد هذا في الآثار عند أصحاب الكتب الستة.
خامساً: وخذ كذلك (لقد كان ابن مالك ذكياً حينما صنف ألفيته يقتبس من غيره ولا يذكر شيئاً عن هذا)
يريد أنه ذكي في كيفية السطو وأنه ذو دهاء وقد غاب أو لعله قد غاب عنه أنه يوجد اليوم فحول كبار جليلي القدر عرفوا ترجمة ابن مالك حياته، شيوخه، تلامذته طريقته، كذلك أصول ألفيته لم يتعرضوا لما تعرض له هذا الكاتب بل كثير منهم
ضرب كفاً بكف على مثل هذه الجرأة.
سادساً: وهذا نموذج آخر جاء فيه ما يحسن تدبره (ابن منظور لا أحد يشك في مقدرته على استيعاب ما يريد أن يبين معناه في اللسان لكنه ينقل عن غيره ولا يحيل).
سابعاً: ومثل (ففي لسان العرب محطات لم يشر إليها أنه نقلها بينما هو قد نقل).
هذا وذاك قد دلا جزماً على أنه هذا الامام قد سطا لكنه سطو ذكي إذ إنه قد أغفل المصدر الذي أخذ منه.
لست هنا في هذه المجلة الرائدة الثقافية لست هنا أبين العوار إنما فقط لأبين العجلة والتألي والتعلي ذلك انه هذا الناقد عفواً الكاتب لم يدلل ولم يعلل ولم يستشهد إنما هي جرأة دون نكير على سابلة يشهدها المتأخرون في هذا الحين وكل حين.
ولست أشك أنه يدرك من نفسه أنه يخطئ لأنه أبعد عن ذهنه حقيقة التلازم فيما يلزم أن يكون سطواً أو استشهاداً أو هو توارد خواطر على سبيل عموم العلم الذي يجب أن يكون.
ومثل هذا لا جرم إذا استمر الأمر على ما هو عليه وهو قليل قد يسبب قلقاً خاصةً في الرسائل العلمية وبعض الحوارات والندوات وما يتم نشره.