محمد عبد الرزاق القشعمي
تذكرت وأنا أقرأ (مذكرات مصطفى النحاس) 1 لما يقوله عن طه حسين عام 1932م: « ... زارني د. طه حسين وتحدثنا طويلاً في الحالة الحاضرة . وفي المقالات التي ينشرها في جريدة الوادي ، وقد شكا لي من تنكُّر أعز أصدقائه إليه ومقاطعته، حتى أن الواحد لو كان يلتقي به فلا يسلم عليه خشية أن يفصل من وظيفته أو يقبض عليه، وقد واسيته ، وقلت له : إن هذه طبيعة كثير من الناس ، وأن هذا العهد البغيض قد أتلف الأخلاق وفرق بين الأسر، حتى أوشك أن يفرِّق بين الولد وأبيه والمرء وزوجه فلا تيأس ولا تحزن فإن الغمة لا بد زائلة ، وليس لنا إلا الصبر والجهاد ...».
وقال : « .. زرت طه حسين في داره بالزمالك تشجيعاً له وتقديراً لجهوده ، ولم أكد أدخل إلى ردهة مسكنه حتى رأيت مصحفاً شريفاً مفتوحاً ، كأن شخصاً كان يقرأ فيه، فسألته عن هذا فقال لي : إن ابنه مؤنس هو الذي يحفظ بعض آياته وأن هذه عادته كل يوم قبل الذهاب إلى المدرسة ، وبعد عودته، وأن عمله هذا لكي يخرج دارساً دينه وكتابه ، ولكي يتعلم النطق العربي الصحيح من أبلغ كتاب سماوي ، وأبدع أسلوب في هذا النص ... فكتمت عجبي في نفسي وقلت كيف يتفق هذا المظهر مع ما يتهم به طه حسين من زيغ في العقيدة وعدم مبالاة بالدين ...» .
تذكرت ما سبق عند نشر النادي الأدبي بالرياض الكتاب الذي أعددته بعنوان: (طه حسين في المملكة العربية السعودية) عام 1430هـ / 2009م وأثناء التوقيع على الكتاب في المعرض الدولي للكتاب بالرياض جاءني أحد - من لهجته - أبناء الشام قائلاً: كيف تكتب عن هذا الكافر ، أو ما لقيت إلا هذا الكافر تكتب عنه ، أو هكذا قال ، ففتحت له الصفحة (335) وبها صورته محرماً يقبل الحجر الأسود ، قلت ألا يكفي هذا الدليل ، فقال وهو منصرف هذه تقية ، فرددت عليه بصوت عال حتى يسمعه : أشققت عن قلبه.. هكذا قال رسولنا - - صلى الله عليه وسلم - - .
ولم استغرب عندما أعاد أحد الأقارب النسخ من الكتاب التي بعثتها له في بلدتي ليعرضها في مكتبته قائلاً : أن كثيراً ممن يدخل المكتبة يستنكر وجوده بها ، فيأخذ الكتاب ليقلبه على ظهره ، ولكن المشكلة أن صورة طه حسين مع الملك فهد - رحمه الله - موجودة في الغلافين عندما كان وزيراً للمعارف عام 1374هـ 1955م وطه حسين في زيارة للمملكة ليرأس اجتماع اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية التاسع بجدة .
وكنت وقتها أسمع أن بعض المتطرفين قد حطموا تمثاله في مدخل جامعة المنيا بصعيد مصر عام 2013م .
وعندما توفي طه حسين - رحمه الله - عام 1393هـ 1973م رثاه الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب ، وقال ضمن ما قاله عنه عندما زاره في بيته (رامتان) بالقاهرة في شهر المحرم 1392هـ مارس 1972م مع الدكتور عبد الله الغنيم وزير التعليم العالي بالكويت -وقتها - «... فوجدنا البيت مضاءً بالشموع ووجدنا الدكتور فوق كرسيه بجوار المذياع وهو لا يستطيع النهوض ، فكان أن بدأ الحديث بالاعتذار عن انقطاع الكهرباء ، ولما أردت أن أخفف الأمر قلت : إننا لم نعتد حياة الكهرباء فقد عشنا في الصحراء ، أجاب : لقد تعودت أن استمتع بسماع القرآن الكريم في مثل هذا الوقت ولكن انقطاع الكهرباء حرمني متعتي ...» 2 .
وقال وهو يرثيه : « .. وفي أيام لاحت فيها للعرب آمال الاستبشار بانتصارهم على أعدائهم في ميادين القتال ، وغمرت النفوس موجة من الفرح بمباهج عيد الفطر المبارك ، وفي ثاني يوم من أيامه (2 شوال 1393هـ / 27/10/1973م) وفي الوقت الذي تتحدث الإذاعات والصحف عن نيل الدكتور طه حسين جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إذ بالنبأ المفاجئ بوفاته فيحدث في النفس موجة شديدة من الأسى والحزن ، لا لأن طه حسين عميد الأدب العربي ، ورئيس مجمع اللغة العربية قد مات ، بل لأن الأمة العربية فقدت بفقده علماً من أعلامها البارزين تبوأ أرفع مكانة وصل إليها أديب عربي في هذا العصر ...» 3
... ... ...
1 مذكرات مصطفى النحاس .. ربع قرن من السياسة في مصر (1927 - 1952م) دراسة وتحقيق: أحمد عز الدين ج 1، ط 8 2000م القاهرة: دار العصور الجديدة . ص 74 .
2 في الرثاء وسير المرثيين ، حمد الجاسر ، الرياض : مركز حمد الجاسر الثقافي ، ط1 ، 1438هـ / 2117 م ، ص90 .
3 المرجع السابق ص 86 .