م/ نداء بن عامر الجليدي
مع أن سياسة المدن الجديدة بدأت تظهر في الدراسات التخطيطية التي وضعتها الاستراتيجية العمرانية الوطنية إلا أن هذه الدراسات ظلت حبيسة الأدراج إلى أن وجدت النور، وانتقلت من الحيز النظري إلى الحيز التطبيقي بإعلان إنشاء مدينة نيوم.
والمدن الجديدة كغيرها من الكيانات العضوية لا بد لها من رعاية اجتماعية وحضارية، خاصة وهي في مرحلة الطفولة؛ حتى تنمو هياكلها قوية محصنة ضد الأمراض الحضرية التي تعاني منها مدننا الحالية. ومن هنا لا بد من توخي الحذر الشديد في تنمية هذه المدينة العصرية -إن صح التعبير- حتى لا تتكرر الأخطاء والأمراض التي عانت وتعانى منها المدن في الوقت الحاضر. وأمام خبراء التخطيط والتنمية الحضرية في الوقت الحاضر كل الفرص وهم في بداية الطريق لبناء الهياكل العضوية لهذه المدينة الحالمة على أسس سليمة. وقد يظن الكثيرون أن بناء المدن الجديدة يقتصر على إنشاء شبكات الطرق والمرافق، وتوفير الخدمات العامة، وتقسيم الأراضي للبناء.. ولكن البناء العضوي لهذه المدن هو - إضافة إلى ذلك - عملية حضارية، لها أبعادها ومقوماتها التي لا بد من استدراكها في بداية الطريق؛ الأمر الذي لا تستطيع معه الخبرة الأجنبية أن تلم بجميع أطرافها؛ فالخبرة الأجنبية تظهر في الجوانب التكنولوجية في التصميم أو الإنشاء.. ويبقى الجانب الحضاري الذي يحتاج إلى مَن هُم أكثر حساسية وفهمًا بالمقومات الحضارية للمجتمعات المحلية.
ولنا بتجربة الهيئة العليا لتطوير الرياض عند تخطيط وتصميم حي السفارات وسكن وزارة الخارجية خير مثال؛ إذ استُحدثت نظريات متقدمة في تخطيط المناطق السكنية الجديدة حتى تتوافر فيها كل المقومات الحضارية لبناء المدن ذات الهوية السعودية الإسلامية، سواء كان ذلك في الهيكل التخطيطي أو في التكوين المعماري أو البناء الاجتماعي لهذه المناطق. وتختلف هذه النظريات في تفاصيلها عن الأسس والمفاهيم التخطيطية التي أدخلتها الخبرات الأجنبية على البيئة الطبيعية والثقافية السائدة في مدن المملكة.
لذا، ولكي تنجح تجربة نيوم، لا بد من ضرورة فصل شبكات المرافق العامة عن شبكات الطرق فصلاً كاملاً بعكس ما يطبق حاليًا في معظم المخططات الحديثة. وعلى هذا الأساس تخصص شبكة الطرق لتخدم هدفها الأساسي في انسياب حركة المرور على المحتويات المختلفة للطرق؛ لكي لا يظهر في تتابع الحفر والرصف والتجديد لشبكات الطرق أي عائق.
ومن الناحية التشكيلية يجب قلب نظريات الارتفاعات والارتدادات على الطرق الرئيسية انسجامًا مع نظرية الحركة والقياس الإنساني.
وأهم ركيزة هي خلق أنظمة حديثة للتجديد المستمر للبيانات التخطيطية، ثم تخزينها واسترجاعها.. وأخرى لعمليات التنسيق العاجل والتنسيق المبكر للمشروعات العمرانية. ولا بد لنا بعد ذلك من وقفة قصيرة لمراجعة وتقييم العمليات التخطيطية لمدينة نيوم قبل البدء بتنفيذها؛ لكي نعتبرها أملاً للأجيال القادمة، وانطلاقًا لفكرة المدن الذكية، وتماشيًا مع الرؤية التطويرية للمملكة.