إن المتتبع للأوامر الملكية الأخيرة التي حملت تغييرات في قطاعات مختلفة من قطاعات الدولة سواء بأسماء المسؤولين أو المؤسسات يجد أنها ثورة ضد السلبية بجميع أنواعها وأصنافها، فما قد يقوله قائل فيها فمن المؤكد أنه سيكون محقاً، فمن قال إنها ثورة ضد الفساد فهي تتضمن هذا المعنى، ومن قال إنها ثورة ضد البيروقراطية فهو محق في هذا أيضاً، ومن قال إنها دعوة للإنجاز والعمل البناء والتحرك الصحيح بالسرعة المطلوبة فهو محق في هذا أيضاً.
إن الحكومات التي تعاقبت على المملكة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- لم تشهد تغييراً وزارياً بهذا الحجم والكم، ولكن ما رأيناه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- ملك الإدارة والحزم يؤكد لنا إيمانه التام بحقيقة أن الحكومة ليست داراً للعجزة والمسنين، وليست مرتعاً للنائمين، وليست تشريفاً بقدر ما هي تكليف والمسئول خادم للمواطن وليس على رؤوسهم.
إن هذا التغيير الوزاري المتتابع لم يحدث في تاريخ الحكومات العربية بأسرها، حيث إنه لم يحدث أن تم تغيير وزراء ومدراء بهذا الحجم في نفس الحكومة، وهذا لا يدل إلا على أن النية لدى خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- هي البقاء للأصلح والأنجح، وليست الإبقاء على الأشخاص، وهذا ما تعودنا عليه واعتدناه من أول يوم تولى -حفظه الله- مقاليد الحكم.
إن من يغيِّر هو من يبحث عن الرجل المناسب في المكان المناسب، ومن يغيِّر هو من يريد الإصلاح والصلاح، ومن يغيِّر هو من يقيم ويعرف إمكانية كل شخص وحجمه وحجم أعماله التي قام بها، ومن يغيِّر هو من يهتم بآراء المواطنين في كل مسئول حتى لو كان وزيراً، فالأمر في نهاية المطاف هو البحث عن راحة المواطن الذي يمثل الوطن بأسره.
إن التغييرات التي أحدثها خادم الحرمين الشريفين أعطت مفهوماً لدى كل صغير وكبير أنه لن يبقى في الوزارة إلا من جد واجتهد وظهرت نتائج أفعاله وأعماله، ومن أراد أن يجعل لنفسه برجاً عاجياً بعيداً عن المواطنين فعليه أن يتخذ هذا البرج في بيته لا في بيت الدولة وهي الوزارة أو المصلحة التي عُيِّن بها، لأنه حينما عُيِّن من قبل ولاة الأمر كانت الغاية من تعيينه هي خدمة المواطنين.
إن المفاهيم التي كانت سائدة في فترات متعاقبة قد تغيرت في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- فلم يعد هناك وزراء ومسؤولون يمكن لهم البقاء لعقود، أو لسنوات طويلة أو حتى يقدم هو استقالته، لأن عجلة التنمية تستدعي حشد جميع الطاقات المتوافرة، وبالطبع فإن الوزير هو الرأس الأول في وزارته وهو مثل القلب في جسم الإنسان، إن صلح صلح الجسد كله.
إن الأوامر والتغييرات الملكية الأخيرة قد ألقت بظلالها على المواطنين جميعاً، فقد ارتاح الناس لها أيما ارتياح ليس لأجل الشخصيات وإنما لأجل أنها خلقت ورسخت مفهوماً عاماً لدى المسئولين والمواطنين على حدٍ سواء مضمونه أن من لا يعمل لا يستحق أن يبقى في قمة هرم سلطوي أياً كان نوعه أو حجمه، وهذا الأمر كان فيما مضى من المعجزات حدوثه إن لم يكن من المستحيلات.
حفظ الله المملكة وولاة أمرها ورجال أمنها وشعبها.