د.عبدالله بن موسى الطاير
بماذا عدت يا عيد هكذا ننتظر العيد منذ أيام المتنبي الذي اختزل عيد المسلمين وفرحتهم في خلافه مع كافور الإخشيدي، فقال سامحه الله:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
ومنذ لك الحين وكلما هل هلال عيد سمعت الزفرات والآهات متبوعة بالبيت الأول من قصيدة المتنبي «عيد بأية حال عدت يا عيد». ثم ينقلب العيد بعد ذلك إلى حشد من الذكريات الكئيبة. فلك الله أيها المتنبي، كم كنت أنانياً في حشر أجيال وراء أخرى وكأنك تؤكد لنا أنانية العرب في بيت أبي فراس الحمداني:
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
فهو الآخر إما أن يصل حبيبته ويتنعم بغيث لقائها ومن سعادته يخلع على البشرية بعض نعيمه، وإما أن يُحرم منه فيرجو للآخرين الموت عطشاً.
من عاش في ديار الفرنجة لا يستطيع أن يعزل نفسه عن فرحتهم بالكريسمس، فهم يستعدون له قبل ذلك بأشهر على مستوى عامة الناس وخاصتهم لدرجة أن البيت الأبيض يستقبل كل عام شجرة الكريسمس قبل الخامس والعشرين من ديسمبر بأكثر من شهر، وهو تقليد بوذي ألحقته ألمانيا بالمسيحية وفرضته أمراً واقعاً ليتحول منذ القرن الخامس عشر إلى تقليد ديني تعترف به الكنيسة.
هل الفرحة التي يستقبل بها المسيحيون واليهود أعيادهم تنفي عنهم متاعب الحياة ومنغصاتها فتكون أعيادهم تتويجاً لواقع معيش، وبذلك فإن الأعياد عندهم ليست سوى تماهٍ مع حالة الرفاهية التي يعيشونها دون مكدرات؟ هذا السؤال الافتراضي غير صحيح فهم يحتفلون بالعيد رغم كل متاعبهم وإحنهم على المستويات الشخصية آو الجمعية.
والدتي رحمها الله وجميع موتى المسلمين كانت تتوعدنا ببهجة العيد على قلة ما في اليد. تسير -صائمة في قيض تهامة ورطوبتها- بضعة كيلومترات لتقتلع ما تستطيع حمله من حجارة تسمى «قظاظا» أو»نورة» لتصبغ البيت بالبياض بيدها، رحمها الله، استعداداً للعيد. وكنا صبيحة العيد نقطع الكيلومترات مشياً على الأقدام نزور جميعنا البيت تلو الآخر بادئين بأقرب البيوت إلى المصلى حتى نفرغ مع صلاة الظهر وفي كل بيت يأكل كل منا لقمة واحدة مما يقدم له من طعام. ننتظر العيد بفارغ الصبر صغاراً وكباراً ومن شدة احترامنا للعيد فإن ما يشترى له من ملابس لا يلبس سوى يوم العيد خشية من كسر ظهر العيد بلبسها قبل حلوله.
أسأل سؤال خالد الفيصل الذي سارت به الركبان «من غيب البسمة» فأقول «من غيب فرحة العيد؟» هل غابت لأن من استضفناهم لاجئين من ظلم حكوماتهم حرّموا على أنفسهم الفرحة حتى يعودوا إلى بلدانهم فاتحين على أشلاء أنظمتهم الحاكمة؟ ولسان حالهم يردد مع الحمداني إذا بت محروماً من الفرحة بالعيد حرّمتها على غيري؟ أم أن القضية الفلسطينية هي المسؤولة عن غياب فرحة العيد فقد آلينا على أنفسنا ألا نفرح حتى يتحرر الأقصى؟ مسكينة هي القضية، فقد علق عليها العرب كل مظاهر التخلف التنموي. أم أن التقلب في النعمة منذ الطفرة الاقتصادية الأولى جعلت مذاق الأشياء يتساوى فلا تمايز بين يوم نعيشه في النعيم وبين يوم العيد الذي لا يأتي إلا مرتين في العام؟
تلحقكم بركة العيد وكل عام وأنتم بخير، وعيشوا عيدكم بسعادة وفرح، فإنني أخشى أن نفقده لصالح الكريسمس والنوروز ذات يوم.