د. جاسر الحربش
هذه الممنوعات الثلاثة: ممنوع من النشر، ممنوع من العرض، ممنوع من التداول، كانت أهم مصادر العزلة الثقافية وأكثر العوامل في تسيد الركاكة الثقافة المحلية.
الانفتاح القسري على العالم بسلطة الوسائط الالكترونية أفسح ووسع المجالات للاستهلاك فقط، ولكن أبواب الإبداع والإنتاج الذاتية بقيت مغلقة حتى وقت قريب، ثم فتحت قليلاً وبقي المزلاج في يد وزارة الثقافة والإعلام.
الآن أصبح عندنا وزارة ثقافة مستقلة عن الإعلام الرسمي، وعليها أن تتعامل بالحداثة والجدارة المستحقة مع الممنوعات الثلاثة المذكورة أعلاه. الإبداع الأدبي بمجالاته الأوسع من المحيطات والموسيقى بتحليقها الأرحب من الفضاء بين السماوات، والفنون الجميلة المفتوحة على كل الألوان والفرشات والأزاميل والشجر والحجر، والإبداع التصويري والسينمائي بما يستقبله من الأسماع والأبصار والأحلام والخيالات، هذه هي المجالات اللا محدودة لوزارة الثقافة الوليدة، والوليد يجب تغذيته وتسمينه أولاً قبل مطالبته بالمسؤوليات عن أسرة مكونة من أربعة أفراد.
أما كيف تصل الوزارة الوليدة إلى هذه المرحلة، فذلك يتطلب أن ترضع هي أولاً في داخلها من مختلف الثقافات.
واضح أن هذه الوزارة بالذات، وزارة الثقافة، يجب أن تكون الابن الطموح العنيد في الوطن الذي يشاهد ويقرأ ويسأل ويقارن لكي يختار للعقول والأرواح الغذاء المناسب للجميع، وليس المناسب فقط للمسؤول والوجيه والمتترس خلف الكثيب.
في الحضارة الغربية الحديثة وخصوصاً تلك المتحدثة باللغة الألمانية تم دمج الثقافة والتعليم والبحث العلمي تحت إشراف وزارة واحدة لها فروع شبه مستقلة في كل ولاية إدارية، وكان ذلك منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. إلحاق الثقافة بالإعلام الرسمي ودمجهما في وزارة واحدة كان وما زال من خصوصيات الدول ذات الرقابة المحكمة على مدخلات ومخرجات العقول، في الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض الدول الآسيوية واللاتينية.
مما يبشر بانفتاح فكري عقلاني لمسايرة مشروع الطموح الوطني إطلاق سراح الثقافة من عقال الإعلام ومنحها الكيان الذي تستحقه وتتصرف باستقلالية بداخله.
الآن يتوجب على معالي الوزير الجديد أن يتتبع روائح الثقافة الزكية في كل موظف يعمل عنده ويستبعد ما عدا ذلك، وإلا نمت الطحالب المنقولة من وزارة الإعلام والثقافة وعششت في المنافذ وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.