كوثر الأربش
شعرة رفيعة ما بين النقد الصحي وجلد الذات. متى أنقد؟ متى يتحول النقد الذاتي إلى هوس تدميري؟ متى يكون النقد ضرورة؟ ماهي الحاضنة الأفضل له؟ وماهي الآلية؟
نهاية السبعينات، بداية الثمانينات الميلادية اكتشف الإعلام العربي النقد الذاتي، تحديدًا بعد مسرحية كاسك يا وطن، الذي قدم فيها الماغوط رؤية دقيقة لما يحدث للعرب من انزلاق في هوة فقدان الذات والهوية. بعدها تتالت الأعمال الفنية، وصولا لمسلسل «طاش ما طاش» و»مرايا» الذي نهجا ذات الخط بطريقة أحدثت تغييرًا واضحًا وأسهمت بصدق في تطوير مجتمعاتنا. بعدها هطل علينا وابلٌ من الأعمال الدرامية والكوميدية، وتعاضدت معها الطاقة الكتابية من خلال المقالات الصحفية، التي تسير في ذات الوجهة لكن بإسفاف مبالغ. بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً من إغراق المكتبة العربية بمنتج واحد يحفر في بنيتنا الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، يحفر دون أن يردم، دون أن يجد الحلول، ودون أن ينصف الإيجابيات ويلتفت للخير والصلاح والإبداع والتضحيات والمنجزات سواء المؤسسية أو الفردية؛ هل ننتظر من العالم أن يعرفنا من خلال آدابنا وفنوننا؟ السؤال بأكثر دقة: هل يمكن أن نقول: أن الأدب والفن العربي والخليجي تمكن من رسم صورة قريبة من الواقع للفرد والمجتمع العربي؟ لن أقول إن ما يتم رصده في تلك الأعمال يعتبر تضخيمًا، أو تشويهًا لما يحدث بالفعل، ولكن يمكنني أن أقول وبكل وضوح: لم ينجح الإعلام والأدب العربي في نقل الصورة الحقيقية، وبكل إنصاف لنا، لأفرادنا، مجتمعاتنا، مؤسساتنا. «الإنصاف» و»العدل» و»نقل الصور الإيجابية» ببساطة (ما توكل عيش) ولا تجذب الجمهور الذي اعتاد بل وأصبح يتلذذ بجلد ذاته! فشل في بناء فرد فخور ومعتز بعروبته وبوطنه ودينه، ومؤسسة منجزة وتجد الشكر على مجهوداتها في خدمة الفرد والمجتمع. أصبحنا جيدون في الهدم، النقض، الإعدام والتدمير.
اليوم وفي الإعلام الجديد، كبرامج وشبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا برنامج السناب شات. خرج إلينا أبطالٌ جدد في مضمار «المازوخية» أعني جلد الذات المرضي والتلذذ به. ملايين المتابعين يمثلون مغيارا للتغذية الراجعة من تلك الإسهامات.
النقد مرحلة ضرورية، بمثابة وضع حجر الأساس لمشروع بناء ذات معتزة وإيجابية ومثابرة وفخورة بذاتها. ومن يأنف من النقد الذاتي، لن ينتقل لمرحلة البناء. لكن جلد الذات العربية فاق المرحلة، أصبح مرضًا، موضة، هوس. أي شيء، عدا أن يكون مرحلة تأسيس وبناء.