أ.د.عثمان بن صالح العامر
في مكة وعلى وجه الخصوص حول الكعبة المشرفة أنموذج فريد للتطوع (بالأفكار، والأموال، والوقت، والجهد، وكلمات التشجيع والتحفيز والمباركة والدعم) خاصة من قبل الشباب والفتيات قاطني أم القرى وما حولها على حد سواء، ولك أن تعمل البصر والبصيرة، وتجيل النظر والخاطر في جنبات البيت العتيق لتلتقط صور المتطوعين وهم يقدمون خدماتهم - جنباً إلى جنب مع العاملين الرسميين - يقدمونها بكل حب وأريحية لكبار السن والمعاقين والمحتاجين و... بل للكل أياً كان جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو طبيعتهم أو لباسهم أو عاداتهم وتقاليدهم و... يفرشون موائد الإفطار التي جاد بها أهل الخير والإحسان بلا حسبان، يمدون بيمينهم زمزم للمعتمرين والزوار، يرشدون التائه ويدلون الضائع عن مقر إقامته، ينقلون المشاعر ويروون القصص والحكايات عبر سناباتهم الشخصية لملايين المتابعين.
ومع أن هذا الأمر الذي أشرت إليه أعلاه مهم إلا أن الأهم في نظري هو ما يتمتع به هؤلاء المتطوعين بإرادتهم الحرة وقناعتهم التامة من دماثة الخلق، وحسن التعامل، وسعة الصدر، وتقبل الكل، وكظم الغيظ؛ وجودة العطاء، والبذل بلا كلل وملل أو تأفف وتضجر، وهم يعملون مع كثرتهم تحت مظلة رسمية واحدة وبشكل منظم لا اجتهاد فيه ولا ارتجالية وفوضى.
هذا المشهد الذي يأسر المتأمل المنصف ليس خاصاً بهذا الشهر الفضيل بل هو طوال العام وإن كان يظهر جلياً في موسم الحج وشهر رمضان.
نعم قد يكون التطوع موجوداً في كثير من دول العالم من خلال مؤسسات المجتمع المدني كما هو معروف، ولكنه في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية التي نطمح حسب ما تتطلع له رؤية 2030 الوصول إلى مليون متطوع سنوياً يتميز عن غيره غالباً من حيث الدافعية والباعث، وسلامة النية والمقصد، وحسن الأداء وجودة العطاء، والعمل بروح الفريق المنظم الذي يعي جيداً الأثر الذي يتركه هذا النوع من البذل في نفسية كل من الباذل - الذي يرجو ما عند الله عز وجل - والمستفيد - من الخدمات التي تقدم له مجاناً وبلا مقابل - على حد سواء، فالشاب والفتاة يتطوعون في سبيل خدمة ضيوف الرحمن الذين جاءوا يرجون رحمة الله سبحانه ورضاه، ينتظرون دعوة من محتاج أو مضطر تكون سبباً لتوفيق الله لهما وعونه طوال العمر ولا شيء غير ذلك.
لهؤلاء الشباب الذكور والإناث شكراً من القلب فقد كُنتُم خير مثال لكل سعودي يعتز بالانتماء لهذا الوطن المعطاء، ويقدم كل ما يستطيع لوفود الحرمين الشريفين فخدمة البيتين كما أكد وبرهن ودلل وأثبت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز منة من الله علينا وفضل، وشرف عظيم نعتز به ونفتخر.
ما عرجت عليه في هذا المقام ليس إلا إشارة عجلا لما حقه أن يسطر بمداد من ذهب لشباب الوطن، ويوثق في سجلات التاريخ صنيع فتيان وفتيات مكة الأفذاذ علها أن تقرأه الأجيال فتعرف أننا نحن قبل غيرنا أمة التطوع وبلادنا تسبق سواها في مثل هذا المضمار فهي بلد الخير والأمن والسلام، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.