عبده الأسمري
ما بين التنظير والتأطير يقضي عدد من البشر حياتهم بين منصات ووسط محافل ويظل المتوهمون بهم والهائمون وراءهم في دائرة الترديد المتواصل حتى تمر السنون فنجد أن هنالك عملاً بلا إنتاج وتصريحات دون وقائع..
مع التغييرات الوزارية منذ عامين تراجع عدد صناع الوهم ولا يزال هنالك بقايا من الحرس القديم من كهنة المواعيد المؤجلة والمرابطين على أجهزة الفاكس واللاهثين وراء جمع الأوراق وملء خزائن الوزارات بالملفات السوداء والخضراء العتيقة البائسة..
لا تكفي الهيكلة الوزارية لتكون ناجحة فالحة إلا بتزامن التطوير والابتكار مع حملة مؤسساتية لوقف الفساد وفلترة المكاتب من المطبلين والمصفقين للمسؤولين وخزنة مفاتيح الإدارات والخزانات وسائقي سيارات الدولة بعد نهاية الدوام والموظفين صباحا ومقدمي الخدمات اللوجستية لأصحاب المعالي والسعادة ليلا.
خرج المطبلون من دائرة الرضا وحرم الفاسدين منهم من غلة الموازنات والانتدابات. فيما لا يزال البعض أسيرًا لمرحلة ماضية لم تستمر بعد أن غادر المسؤول المتستر على خيبتهم مقابل تبادل المصالح.
من خلال تجربتي الصحفية التي قضيتها بين الميدان والمطبخ الصحفي وإدارة التحرير كنت شاهد عيان على فئات متعددة وشلل متمددة كانت جذورها تتعمق في الوزارات.. وكان بعض المسؤولين في سنوات مضت يدربون موظفي العلاقات العامة على مواجهة الإثم الواقعي بالعزة المصطنعة في خطابات صد ورد..
التغييرات الوزارية نقطة تحول في مسار العمل الوزاري فقد سئم الجميع من اسطوانات التسويف حتى وإن تحركت نزاهة فيما مضى إلا أن التحركات كانت في دائرة المكاشفة بتوضيح الخلل ولكن العقاب كان في إطارات ضيقة وإن طال لا يتجاوز نقل الموظف أو وقف يده عن العمل.. لذا ظل الفساد جائلا بين بنود الصرف المالي وسوء استغلال السلطة.
التجديد تغيير احترافي للسير بالوزارات إلى مستقرها ومستودعها في خدمة المواطنين لا أن تقوم بالواجب وتضعه في إطار المعروف ولا أن تعطل المصالح بحجة سفر الوزير أو توقف النظام الآلي أو غياب الموظف أو تعقيدات التأجيل.. لذا فإن الوزارات تحتاج إلى تغيير فكر وتعديل تعامل وترجيح مصالح الناس وتغليب كفة الإنجاز.
في وزارتنا صناع للوهم يعتمدون كثيرًا على الفكر الرجعي والتعامل الأزلي مع المعاملات كتعاملهم مع ساعات العمل اليومي في قراءة الصحف وإيصال الأبناء للمدارس وتناول الإفطار في غرفة «عامل الشاي» أو في أحد المكاتب المخصصة للأرشيف وهم ذاتهم من وضعوا «طالب الخدمة» في دائرة التعجيز وسوءات التأجيل واستحالة التسريع.. بعضهم من الحرس القديم لمسؤولين سابقين ظلوا على ذات الطبيعة يتخفون في مكاتب وأقسام يؤدون عملهم بروتين قاتل..
على كل وزير ومسؤول أن يغير المنهجية الإدارية والمهنية وأن يتابع الخلل ومكامنه وأن يتعامل مع طلبات المواطن تعامل «المؤتمن» وصاحب الواجب وخادم الوطن عليه أن يفتش في أسماء المحيطين به.. إن أراد معرفة الأخطاء والكشف عن التقصير عليه أن يخلع بشته وأن يخرج من مكتبه إلى الأقسام يجب أن يشيع وينشر ثقافة العمل الجماعي وأن يكون مستمعًا أول لمعاناة الجمهور لا سامعًا أخيرًا لناقل معلومة ووسيط اتهام من موظفي مكتبة.. عليه أن يكتشف نظام «الشللية الخفية» التي طالما عقدت الأمور وتلاعبت ردحًا من الزمن بمتطلبات ومعاملات حبست وتاهت وحفظت لأنها توقفت عند موظف مستهتر أو مسؤول غيب الأمانة وأضاع الواجب..
على المسؤولين أن يكونوا بين المواطنين ليسمعوا المعاناة من أرض الحدث ومن أوساط البسطاء والمغلوبين وأن تكون هنالك متابعة وإشراف وتدقيق في عمل الفروع في المناطق لأنها ممتلئة بالتقصير مكتظة بالتأخير..
هنالك بقايا حرس قديم وشلل بيروقراطية وصناع وهم هم ثلاثة أضلاع للتقاعس والتخاذل والأخطاء في كل قطاع.. ومع قدوم كل مسؤول جديد عليه أن ينتبه لهم جيدا حتى تتكامل الأدوار بين التغيير والتطوير ومكافحة الفساد بشكل فعلي لسد كل ثغرات الفشل وإلغاء كل بيئات المصالح الشخصية ووقف كل أنواع الاستغلال.