محمد آل الشيخ
منذ أن بدأ المتأسلمون المسيسون ينظمون أنفسهم، ويمتطون الحلال والحرام في استقطاب العوام، والجهلة، كنت على يقين أن دعوتهم في نهاية المطاف ستنتهي إلى برك من دماء، وفتن وقلاقل، لا يعلم إلا الله جل وعلا نهايتها. الإسلام دين، يُنظم العلاقة بين الإنسان وخالقه، أما السياسة فقد تركها جل شأنه للناس يتلمسون بها مصالحهم. ومن يقرأ تاريخ الإسلام قراءة واعية متفحصة، بحياد وبحثا عن الحقيقة المجردة، سيكتشف ذلك بوضوح. فالعبادات وإخلاصها لله جل وعلا وحده دون سواه، هو الثابت منذ أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم. أما قضايا الدنيا، والبحث عن العدل واستقرار المجتمعات، فقضية منوطة بالإنسان، تتغير وتتبدل حسب مقتضيات المصلحة. والفقهاء الذين هم بمثابة أهل الذكر، عندما صنفوا مؤلفاتهم التي ورثناها عنهم، كانوا ينطلقون في استنباط الأحكام في الغالب من نقطة محورها الأساس تحقيق مصالح الناس في معيشتهم وتلمس الأمن في مجتمعاتهم، حتى لو اضطروا في بعض الأمور إلى تعليق الحدود، كما فعل عمر بن الخطاب سنة 17 من الهجرة، عندما ضربت المجاعة أطنابها، فيما يعرف تاريخيا بعام الرمادة. كما أن كثيراً من الفقهاء أفتوا بقول مرجوح مع وجود قول أرجح منه إذا كان هذا القول المرجوح يواكب مصلحة اجتماعية معينة، فمثلا ابن تيمية وهو أحد الفقهاء المرجعيين عند السلفيين، كان (يحرم) التورق، ولا يرى حله، في حين أن فقهاء سلفيين من ذات مدرسته الفقهية خالفوه، وأباحوا التورق لأن ضرورات تمويل النشاطات الاقتصادية في عصرنا تتطلب ذلك. إضافة إلى أن فقهاء آخرين رأوا أن قياس الفائدة البنكية، في الاقتصاد الائتماني، بالربا المحرم شرعا في اقتصاد المقايضة، قياس غير سليم فقهيا، لاختلاف النظام الائتماني عن اقتصاد المقايضة الذي كان معتمدا عند نزول القرآن، الأمر الذي يجعل الفوائد البنكية تختلف عن الربا المحرم شرعا.
هذه الأمثلة التي ذكرت آنفا، هي في نهاية الأمر اجتهادات لها ما يبررها، وقديما قيل (لولا اختلاف الأئمة لفسدت الأمة)، غير أن المتشددين المتزمتين لا يؤمنون بالخلاف، وإن ادعوا أنهم يقرونه، فهم يعلنون على رؤوس الأشهاد أمرا، لكنهم يتشددون في إقصاء كل من قال بغير ما يقولون، ويوهمون العوام والجهلة من المسلمين أن ما يقولونه هو (الصحيح)، وكل من يختلف معهم فهو إما جاهل، أو مغرض، أو يقول قولا لا أصل له.
ونحن هذه الأيام نعيش حقبة من الزمن في عهد مولاي الملك سلمان حفظه الله ومؤازرة ولي عهده سيدي الأمير محمد بن سلمان انتصر فيها المتسامحون وأصحاب الرأي الآخر، طالما أنهم يعتمدون في أقوالهم على دليل أو شاهد معتبر.
بقي أن أقول: التشدد والتزمت والتضييق على الناس وتقديم الرأي المتطرف على الرأي المتسامح ذاق منه العالم، مسلمين وغير مسلمين، الأمرّين، فهو الأس الذي تقوم عليه بنية الإرهاب، فكل إرهابي متأسلم على وجه الأرض لا بد وأن يبدأ بالتشدد والإغراق فيه، قبل أن يكون إرهابيا يفجر ويقتل ويخرب باسم نصرة الإسلام.
إلى اللقاء