د. عيد بن مسعود الجهني
لا تزال أسعار النفط متماسكة في سوق النفط الدولية، رغم تراجعها الطفيف بعد أن بلغت (80) دولاراً للبرميل ليبلغ خام برنت (77) وخام غرب تكساس (65.77) دولاراً للبرميل وهذه الأسعار تعتبر عادلة خاصة إذا استمرت تحوم ما بين 65 - 75 دولاراً للبرميل لفترة أطول، فهذا يعود على خزائن دول النفط خاصة المنتجين الرئيسيين بدولارات فلكية تدخل خزائن تلك الدول.
هذا تؤكده الأرقام عندما تتحسن أسعار النفط ويسودها الاستقرار لفترة مقبولة فطبقا لنشرة منظمة الأوبك الإحصائية لهذا العام فإن قيمة صادرات أعضاء المنظمة من النفط صاحب الأيادي البيضاء عام 2016 بلغت (451.80) مليار دولار، قفز هذا الرقم ليبلغ (578.30) مليار دولار عام 2017م وبدون شك فإن تلك الزيادة خرجت من رحم ارتفاع أسعار النفط، وسيكون للمنتجين الكبار نصيب الأسد من تلك الزيادة في الأعوام السابقة وفي هذا العام ستزيد فيه الدولارات التي ستضخ في عروق اقتصاديات الدول المنتجة مع ارتفاع الأسعار.
والمتتبع لتاريخ الأوبك يدرك أن المنظمة عندما تلملم صفوفها تستطيع إدارة سوق النفط الدولية، وهي (الأوبك) ومعها الدول المتعاونة معها وفي مقدمتها روسيا صاحبة الإنتاج الوفير الذي اقترب من (11) مليون ب/ي تمسكت بخفض الإنتاج (1.2) مليون ب/ي اعتباراً من شهر يناير 2017 والذي سيستمر حتى نهاية هذا العام، الأمر الذي أعاد للسوق توازنها واخذ الفائض من النفط في تلك السوق طريقه إلى الانخفاض لترتفع الأسعار. الانخفاض النسبي للأسعار الذي نوهنا عنه بعد أن بلغ الـ(80) دولاراً للبرميل، له أسبابه فالولايات المتحدة الأمريكية الذي كان اكتشاف النفط تجارياً عام 1859 وتسعيره عام 1860 على أرضها هي صاحبة التاريخ النفطي الحديث، وهي (أمريكا) تطمح أن تصبح إمبراطورية نفط بعد أن فقدت هذا اللقب الهام عام 1973 عندما برزت (الأوبك) كإمبراطورية نفطية وقوة اقتصادية جديدة، ماما أمريكا إنتاجها أصبح يقفز كقفزات الغزلان ليبلغ (10.8) ملايين ب/ي، وهذا الرقم قد يرشح الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم حوالي (20) في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي من الذهب الأسود لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم، رغم أنها تستورد يومياً (6.63) مليون ب/ي من النفط. هذا سبب جوهري لانخفاض أسعار النفط يدعمه سبب آخر يتمثّل في تسجيل مخزونات الخام زيادة كبيرة لم يتوقّعها معظم المحلّلين لأسواق النفط الدولية إذا ارتفعت مخزونات النفط الخام في بلاد العم سام بـ(2.1) مليون برميل، وهذه الأسباب كفيلة بأن تؤثّر على أسعار النفط سلباً، لكن على الجانب الآخر فإن الأوبك والمتعاونين معها في إدارة السوق إذا تمسكوا في معادلة خفض الإنتاج فإن الأسعار ستبقى متماسكة، خاصة أن دولاً مثل إيران قد تتأثر صادراتها النفطية بعد أن قرَّر الرئيس الأمريكي ترامب الانسحاب من ملف إيران النووي، ناهيك أن دولة مثل فنزويلا تواجه مشاكل داخلية تؤثّر على إنتاجها من النفط رغم أن احتياطيها كسر حاجز (300) مليار برميل.
وإذا نظرنا إلى أن الطلب على النفط هذا العام عند عتبة (98) مليون ب/ي وأن دولاً مثل الصين والهند متعطشة للنفط، وأن نمو الطلب على النفط في أوربا وأمريكا الشمالية وإفريقيا هو الآخر ما زال مطرداً، وعلى ذمة (أوبك) فإن أمريكا الشمالية وحدها تستورد نفطاً خاماً من الدول أعضاء المنظمة يقدَّر بـ (4.64) مليون ب/ي.
إن تاريخ الأوبك التي تأسست في أواخر 1960 وهدفها الأساسي كان الدفاع عن أسعار عادلة لنفوط دولها لم تستطع للأسف رفع سعر البترول قبل شهر رمضان المبارك أكتوبر 1973 سوى بنسبة 10 في المئة وجاءت طفرة أسعار النفط الأولى عام 1973 نتيجة حتمية لحرب الأيام الستة التي شنّتها إسرائيل على ثلاث دول عربية، مصر، الأردن، سورية. وإذا كانت الأوبك في تلك الفترة من التاريخ النفطي هي الأسد الهصور في السوق لقلة عدد المنتجين للنفط آنذاك، فإن الأمور اليوم تختلف فقد زاد عدد المنتجين للنفط وأصبحت السوق أوسع عمَّا كانت عليها في مرحلة السبعينيات وحتى الثمانينيات، ولذا فإن سياسة الأوبك الجديدة المتمثّلة في عقد حلف نفطي مع بعض الدول المنتجة سعياً لاستقرار السوق وتحقيق سعر عادل لبرميل النفط، تعد سياسة بلا شك حكيمة استدعتها تطورات السوق وطبقتها الأوبك.
ولكي تصبح تلك السوق مستقرة لفترة أطول فإن الساحة النفطية الدولية تستدعي من الأوبك باعتبارها أكبر اللاعبين في السوق وصاحبة أكبر احتياطي نفطي (78.9) في المئة من إجمالي الاحتياطي النفطي المؤكد عالمياً، إبقاء الباب مشرعاً لانضمام دول أخرى منتجة للنفط في هذا النادي النفطي الذي فتحت الأوبك ساحته لدول تدخله ليست أعضاء في الأوبك، لكنهم أعضاء شرف دعتهم الأوبك فلبوا النداء، فكانت النتيجة استقرار السوق وتحقيق سعر عادل للمنتجين والمستهلكين. وإذا ما تحقق هذا الهدف واتسع النادي النفطي برعاية الأوبك وبتضامن دول هامة في الإنتاج والاحتياطي كروسيا والمكسيك وغيرهما، فإن الجميع سيصبحون قوة نفطية كبرى تستطيع أن توجه دفة سوق النفط الدولية، لتضمن عرضاً وطلباً متوازناً يخرج الفائض من النفط في السوق، وفي نفس الوقت فإن الأسعار العادلة إذا ما استقرت بين 65 - 75 دولاراً للبرميل ستصبح سداً منيعاً لمنافسة البترول الصخري للنفط التقليدي، فكلما زاد السعر للنفط التقليدي كان ذلك حافزاً للنفط الصخري لزيادة الإنتاج ليدخل السوق نظراً لزيادة تكلفة إنتاجه مقارنة بالنفط التقليدي حتى الآن رغم التطور التكنولوجي الذي يشهده إنتاجه خاصة في الولايات المتحدة صاحبة السبق في إنتاج هذا النفط. وعلى كل فإن الرياح على ما يبدو تهب رخاء على الأوبك والمتعاونين معها وستستمر تمطر دولارات فلكية على خزائن تلك الدول، خاصة إذا استمرت الأوبك في دعم هذا النادي النفطي الجديد الذي يبدو أن له مخالب وأنياباً قوية تركت آثارها على أسعار النفط عندما تمسك أعضاء النادي في الخفض الذي اتفقوا عليه (1.2) مليون ب/ي حتى نهاية هذا العالم، والذي يبدو أنهم عازمون على تأكيده في اجتماعهم في الثاني والعشرين من هذا الشهر. وإذا ما استمروا في دعم هذه المعادلة وتمسكوا بقواعدها فإن سنوات سماناً أخرى تنتظر المنظمة العتيدة (الأوبك) والدول التي انضمت إلى هذا النادي الذي تشكّل من أجل هدف استقرار سوق النفط الدولية وتحقيق سعر عادل للمنتجين والمستهلكين وقد تصبح بعض تلك الدول التي انضمت إلى قافلة الأوبك عضواً في المنظمة التي كان مؤسسوها الأصليون (السعودية، الكويت، العراق، إيران، فنزويلا) وتتابع انضمام بعض الدول إلى المنظمة ليبلغ اليوم (14) عضواً لتصبح قوة نفطية عالمية.
وقد أحسن واضعو ميثاق المنظمة، إذ نص ميثاقها على أنه بإمكان الدول التي يعتبر البترول صادرها الجوهري والأساسي ولها مصالح مماثلة كالدول الأعضاء الانضمام إلى عضوية الأوبك إذا وافق ثلاثة أرباع الأعضاء.
والله ولي التوفيق