كلما يحل فصل الربيع بخطواته فإن ذهن المرء يعرض أمامه لوحات من الزهور الجميلة، تملأ قلبه سرورًا، وتبعث في نفسه أملاً كبيرًا، وتجعله يطيل النظر فيما حوته من روائع الصور، كأنه استمد من محتويات تلك الزهور المختلفة فرحًا وسعادة لقلبه، وحيوية لنفسه، وراحة لذهنه، لا توازيها راحة ولا حيوية ولا سعادة. إنها لوحة يرسمها خالق السماوات والأرض على تلك الطبيعة.. أزاهير تهتز كل زهرة بجارتها نضارة وشكلاً وجمالاً، وتعانقت فيها الأشجار عناق حب وعشق؛ فإن المرء يشعر بنشوة عندما يهب النسيم؛ فيجدد النشاط والحيوية عنده، وزهور الوادي في حالة نشوة، تعيش فيها أسمى أنواع العشق مع خيوط الضياء.. وقطرات الندى تملأ أوراق الزهور.. ما أجمل هذه المناظر، وما أروعها.. ليل هارب، وشمس مشرقة، وزهور وورود مبتسمة، وطل يبدو على أوراق الزهور، لامع، يعكس ضوء الصبح، كأنه قطرات من العرق على جبين زهرة رائعة من زهور البشر؛ فينساب النظر في آفاق تلك الطبيعة الجميلة الرائعة على قمم الجبال والأودية والهضاب والمرتفعات والزهور والشجيرات بقدر كبير من اللهفة والشوق..
أيها الربيع.. أقبلتَ فأقبلتْ معك الحياة بجميع أصنافها وألوانها؛ فالنبات ينبت، والأشجار تورق وتزهر، والأشجار والأغصان تتمايل وتتعانق.. فكل شيء يشعر بالحياة، ويمتلئ بالحياة، ويستولد الحياة، ويستجمل الحياة، وينسى شتى همومها.. فإن كان الزمان جسدًا فأنت روحه، وإن كان مظهرًا فأنت سره، وإن كان عمرًا فأنت شبابه.
بسحرك العجيب استطعت أن تجعل من الشمس نورًا وضياء بجمال ألوانك وجمال تصويرك.. لقد حولت نور الشمس في السماء إلى الأرض؛ فجملت الثرى بنجوم الثريا، ونسقت فيها ألوانًا تبهر بقوس قزح.. فقد جعلت الدنيا ملء العيون، وجعلتها ملء السمع.. فقد ملأت الجو عطرًا بأزهارك الطيبة وثمارك العطرة؛ فأنعشت النفوس، وبعثت الأمل.
لقد اعتدلت في حرارتك فكنت جميلاً في جوك، كما كنت جميلاً في كل شيء من آثارك.. ليت الزمان يكون ربيعًا كله؛ لكي يتذوق الناس الجَمال كما ينبغي.
والله الموفق والمعين.
** **
- الرياض