عمر إبراهيم الرشيد
في ظل التنامي المطرد للتعداد السكاني في المملكة فإن قطاع الخدمات يتنامى تباعاً كنتيجة طردية، مشكلاً رافداً اقتصادياً للناتج المحلي الإجمالي، وموفراً فرص عمل كريمة لقطاعات من الشعب السعودي إذا أحسنت إدارته. أمرّ أحياناً بمغسلة الملابس الواقعة في الحي فأرى تعاقب أهل الحي عليها وبحركة دائبة تشكل مصدر دخل جيد للعاملين بها، وفي نفس الوقت هي خدمة لا غنى عنها للسواد الأعظم من الناس. أخذت وأنا انتظر دوري أفكر، لو أن البلدية ووزارة التجارة ومعها العمل والتنمية الاجتماعية عملت سوياً لتسهيل وفتح المجال أمام الأسر المنتجة والمرأة عموماً للعمل في خدمة غسل وكي الملابس والسجاد وغيرها، فكيف سيكون وضع تلك الأسر اقتصادياً واجتماعياً؟!، بما أننا نشهد حصر عمل الأسر المنتجة في بيع الأطباق المحلية أو المشغولات التراثية وحسب، وحتى نتجنب قدر الإمكان اليوم الذي يصل فيه السوق إلى التشبع من هذه الوتيرة وبالتالي الكساد للكثير من عمل تلك الأسر المنتجة لا سمح الله.
العمل في غسيل الملابس والفرش والسجاد هو من اختصاص المرأة وربة البيت في الأساس، ومحلات المغاسل لا تتطلب مهارات معقدة، بل إن ربات البيوت أخبر من كثير من الرجال وأنا منهم، باستخدام الغسالات وطرق عملها وبغسيل وكي الملابس وغيرها من المفروشات عموماً. أما مسألة الخصوصية للمرأة العاملة في المغسلة فهي أسهل وأكثر بالنظر للنساء البائعات في دكاكين وأكشاك بيع منتجاتهن، والمملكة ولله الحمد والمنة ثم للأنظمة وصرامة تطبيقها من قبل الحكومة كفيلة بجعل مغاسل الأسر المنتجة بيئة عمل آمنة ومصدر رزق وافر، بل وسبباً للتعاون والترابط بين سكان الحي بما يعود على المجتمع عموماً بالتماسك والتقدم بصورة حضارية منهلها ديننا وحضارتنا الإسلامية العريقة.
إن ما نشهده من إغلاق المئات من الدكاكين والمحلات التي تخنق الأحياء مطوق إياها من جهاتها الأربع على الطرق والشوارع العامة، إنما هي نتيجة تطبيق الأنظمة الصارمة التي تهدف لمحاربة التستر التجاري، واليد العاملة الوافدة الفائضة عن الحاجة الفعلية التي تمتهن أعمال البيع لمختلف الخدمات والبضائع. بل إنك تسمع من البعض بأن ذلك يهدد بتناقص الخدمات وبداية الكساد، وهذا قصر نظر لا يدرك أن التصحيح لا بد له في البداية من ثمن، بل إن الوضع السابق للآلاف من تلك الدكاكين لم يكن وضعاً طبيعياً ونكاد ننفرد به عن باقي الدول. لذا فإن فكرة المغسلة تدار وتمتلكها بالكامل أسر منتجة يمكن تطبيقها كذلك على كثير من الخدمات، لتوفر فرص عمل شريفة للمواطنين والمواطنات وتصبح البطالة في أقل معدلاتها، ونحد من هذا الهدر الاقتصادي الهائل والتحويلات المالية المتعاظمة للخارج لتكون في معدلاتها الطبيعية، ونصبح مجتمعاً منتجاً عاملاً بأيدي أبنائه وبناته ويغدو اقتصادنا بقطاع خدماته اقتصاداً منتجاً أكثر مما هو مستهلك، وذلك أحد أهداف الرؤية والتحول الوطني، وكل عام وأنتم بخير.