د.عبدالله بن موسى الطاير
لسان حال كثير من السعوديين ينطق بهذا السؤال: لماذا يكرهوننا؟ يمكن لنا أن نلوذ بعصر الطيبين ونصف ردود الفعل العربية تجاه كل ما هو سعودي بأنها حالات معزولة لا تمثِّل السواد الأعظم من العرب. ويمكن لنا أن نعتبرها ظاهرة طارئة تقف خلفها مؤسسات ودول بأجندات خفيّة هدفها تشويه سمعة المنجز السعودي وتمزيق الصف العربي.
نستطيع أن نسرد جملة من المبررات التي نداري بها هذه الفجوة والهوة العميقة مع الشارع العربي، ولكن هذا لن يؤدي إلى الاقتناع بوجود مشكلة تتطلب المواجهة والبحث في حلول لها. مخطئ من يظن أن الظاهرة حديثة، بل قديمة وتبرز مع التوترات السياسية كجزء من عوامل الضغط التي تستخدمها الدول في خلافاتها مع المملكة. وفي المقابل كانت الدول ذات سيطرة على إعلامها وبذلك فإن إعلان خطاب الكراهية للسعودية والسعوديين يستوجب مساءلة الدول وحرمانها من إعانات مادية أو عسكرية أو سياسية. وكان كبار الإعلاميين العرب يقتاتون على المائدة السعودية مما خفَّف من حدة البغضاء المعلنة. كما كانت العلائق الشخصية تلعب دوراً في كبت مشاعر الكراهية، لكنها لا تلغي وجودها. اليوم تبدل المشهد، فلم يعد للحكومات سيطرة على ألسنة شعوبها، حيث وفرت شبكات التواصل الاجتماعية منصات إعلامية مستقلة من الوسيلة إلى المرسل والمحتوى، وتراجع دور حراس البوابة الإعلامية وتفجّرت المشاعر على حقيقتها بدون رقيب.
منذ أمد بعيد وأنا أكتب مشككاً في حقيقة وجود «أمة عربية»، وإنما دول ناطقة باللغة العربية. وفلسفتي وراء هذا الفهم هو أن الأمة يكون لها غاية واحدة ووسائل متعدِّدة لبلوغ الغاية، أما في الحالة العربية فاللسان واحد والقلوب شتى، والغايات مختلفة. ودليلي على ذلك أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يفترض أنه عروبي وحدوي حتى الثمالة حكم دولتين إحداهما تحالفت مع إيران في حربها ضد الأخرى. فسوريا ارتبطت بعلاقات حميمية مع إيران منذ عام 1980م في مقابل عداوة مستعرة مع العراق. والمملكة العربية السعودية تمتعت إلى ما قبل ثورة 1979 بعلاقات قوية مع إيران الشاه، وكانت إيران أكثر قرباً للسعودية من مصر ما بعد ثورة 1952م التي عملت على استهداف الممالك العربية. اللسان العربي في الجاهلية لم يصنع أمة عربية، وإنما قبائل متناحرة، والفترة الوحيدة التي توحَّد فيها العرب في ضمن أمة كانت بتأثير عامل آخر مهم وهو الدين، وبدونه عاد العرب شراذم كما كانوا
الأمريكيون أطلقوا سؤالاً مهاً عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م، وهو «لماذا يكرهوننا»؟ ويقصدون المسلمين. وقد تبرع كثير من الباحثين بإجابات متنوِّعة بعضها أن كراهية أمريكا هي من باب الحسد، فهي دولة ديمقراطية تصون الحريات ويحكمها القانون، بينما لا يتمتع الشانئون لها بأي من تلك المميزات. ورأى آخرون أن السياسات الأمريكية الخارجية تسببت في نقمة الآخرين عليها. ومع تعددية المبررات، فقد كان القصد الأمريكي واضحاً من طرح السؤال وهو إحساسهم بأن هناك مشكلة ولا بد من البحث عن حلول لها، وبناء عليه أطلقت أمريكا حملة علاقات عامة واسعة لتصحيح صورتها، وأذكر أن مساعد وزير الخارجية في أواخر عهد الرئيس بوش الابن أفصح لي وعدد من الزملاء بأنهم ينفقون نحو مليار دولار سنوياً لتحسين سمعة أمريكا يذهب النصف منها لقنوات الحرة وراديو سوى وصوت أمريكا، والنصف الباقي لقنوات عربية أكثر تأثيراً، وهذا غير الزيارات والمؤتمرات واللقاءات. وأمام حالة الكراهية التي فجّرتها كرة القدم وأبرزتها شبكات التواصل الاجتماعي ودأبت على تغذيتها قنوات الجزيرة يحق للسعوديين السؤال: لماذا يكرهنا العرب على الرغم مما قدّمنا لهم؟ فمنذ أنعم الله على السعودية وما أصاب العرب من خير فسببه السعودية بعد رب العالمين، وما أصاب السعودية من سوء في علاقاتها الخارجية فبسبب تبنيها ودفاعها عن القضايا العربية. ولكن هل طرح السؤال من أجل حشد الرأي العام السعودي لمقابلة الإساءة بمثلها أم أنه من أجل التعرّف على الأسباب والعمل على معالجتها وتصحيح صورة المملكة عند العرب قبل غيرهم؟
أميل بدرجة كبيرة إلى أهمية دراسة هذه الظاهرة وإن كانت من فئات محددة، والتعرّف عن دوافعها ونوازعها، ومن ثم وضع خطة لتصحيح صورة المملكة، وفي الوقت نفسه وضع العلاقات السعودية العربية في نطاقها الطبيعي دون إيغال في الرومانسيات، ومن ثم العمل على إعادة التحالفات السعودية الإقليمية والدولية وفقاً للمصالح دون أن تكون شيكاً على بياض للأشقاء العرب.