د. جاسر الحربش
الحلم الذي خذلوه، هكذا يعنون الشيخ جميل الحجيلان فصلاً من مذكّراته التي لم تُنشر بعد، متحدثاً عن مصير منهجه في الوزارة لتطوير الخدمات الصحية، وخصوصاً ما تطلبته المرحلة من بناء المستشفيات النموذجية. كانت المستشفيات في تلك الحقبة خليطاً متنافراً غير موحّدة التصميم لتسهيل الصيانة، ولا تقدم نماذج صالحة لبناء مستشفيات جديدة. قرَّر الوزير وجهازه الإداري الاستعانة بجهات العلم والخبرة العالمية لتصميم وبناء مستشفيات نموذجية جديدة. بعد استطلاعات ميدانية ودراسات موسعة للجغرافيا والطقس والمناخ والتنوّع السكاني تم الاتفاق (من بين ست عشرة شركة عالمية) على اختيار شركة والاس ايفانس اسوسييشن البريطانية، بسعر إجمالي قدره أربعة ملايين وثمانمائة وستة عشر ألف ريال وثمان مائة ريال سعودي، لتصميم التالي:
أ - ثلاثة مستشفيات عامة بطاقات ما بين خمسين إلى خمسمائة سرير.
ب - خمسة مستشفيات متخصصة: للأمراض الصدرية، العقلية والعصبية، للعزل الصحي، لأمراض العيون، ومستشفى للولادة والأطفال.
ج - معهد صحي يتسع لثلاثمائة وخمسين وطالباً.
تمت الموافقة الملكية على العرض بناءً على ما رفع إلى المقام السامي من وزارة الصحة والمالية والهيئة المركزية للتخطيط، على أن يعتمد التمويل في السنة المالية التالية.
يقول الوزير الحجيلان: هذا التحديث في تاريخ وزارة الصحة الذي سانده وبارك الأخذ به ملك البلاد فيصل بن عبدالعزيز، هذا الإنجاز الذي كان مقدراً له أن يكون طليعة الأسلوب العلمي في بناء مستشفيات الدولة كان مصيره الاندثار. لم يعن به وزراء الصحة من بعدي ولم يقفوا عنده وقفة المتأمل فيه وما اقترن بإعداده من جهد ومال، لأن لكل وزير جديد سياسته ورؤيته لإدارة الوزارة، وليسوا ملزمين بالضرورة بالأخذ بتلك النماذج من المستشفيات ما داموا في مأمن من المساءلة. كان مصير ذلك الحجم الهائل من التصاميم اندثارها منذ خمسة وأربعين عاماً في مستودعات وزارة الصحة لتتحوّل طعاماً للفئران.
مذكّرات معالي وزير الصحة السابق جميل الحجيلان تتعرض أيضاً لإشكاليات ما زالت حتى اليوم في حاجة إلى حلول في القطاع الصحي، منها مسألة إدارة أطباء (أحياناً استشاريين) للمستشفيات، بما يشمل شؤون المستشفى والعاملين فيه والصيانة والمشتروات والمساءلات الإدارية وغير ذلك، وبدأت على أيامه أول بعثات متواضعة لإدارة المستشفيات إلى الخارج. الشأن الآخر من معضلات القطاع الصحي آنذاك وما زالت كان تفرغ الأطباء وما مرَّ به من تجارب في الدوام الجزئي أو التفرّغ للعمل في القطاع الحكومي أو الخاص وبدون تقديم المغريات اللازمة لضمان ولاء الطبيب للعمل في القطاع الحكومي.
بعدما تنشر مذكّرات الشيخ جميل الحجيلان سوف يعثر الأطباء والإعلاميون والدبلوماسيون على كنوز من التجارب والخبرات الموثَّقة في العمل الوطني فائق الجودة والإخلاص.