د. فوزية البكر
بعد يومين اثنين فقط وتحديداً يوم الأحد 10-10-1439 ستتمكن النساء السعوديات وغير السعوديات من قيادة سياراتهن بشكل رسمي دون الحاجة للاستعانة بقريب أو سائق. كم هو مذهل الشعور العقلي والعاطفي بالقدرة على اتخاذ القرار حين أحتاجه وكما قالت فرجيينا وولف في كتابها الجميل (غرفة تخص المرء وحده ص184): (فكرت وأنا ألتقط رواية جديدة للسيد (أ) أنه بالفعل مبهج أن أقرأ لرجل مرة أخرى. بدأ كلامه واضحاً ومباشراً وصريحاً. كان ذلك مؤشراً على حرية في الفكر وثقة في النفس وانطلاقا في الشخصية. وفي حضرة ذلك العقل الحر، المثقف تثقيفاً عالياً، ثريا، عقل لم يحبطه أحد، أو يمنعه أحد عن مسعاه، كانت له كل الحرية منذ مولده أن يمتد وينمو ويسعى في أي اتجاه أراد. انتهي): لنتخيل كيف يكون العقل الإنساني مبدعاً في نمائه لو لم يحجز عليه منذ اللحظة الأولى لمولده كما نفعل مع الأنثي في مجتمعاتنا.
ستمكن سواقة السيارة من تغيير قليل من هذه المسلمات العقلية التي عاشت عليها النساء السعوديات طوال أعمارهن فلا يتمكن من اتخاذ قرار ويرغبن في الانتقال من مكان إلى آخر إلا بأمر ورفقة شخص ما. يوم الأحد المقبل 22 يونيو 2018 ستتمكن السعوديات أخيراً من الدخول إلى منطقة كانت محظورة وهو التفكير بأنفسهن ولأجل أنفسهن واتخاذ قرار الثانية، حيث قد تكون هي الفرق بين الحياة والموت.
حضرت يوم الأحد الماضي حفلة المغنية الأوبرالية هبة القواس في مسرح جامعة الأميرة نورة وكم أذهلني أننا فعلاً نتغير وبسرعة مذهلة ممثلاً بهذا الحضور الجماهيري الضخم لنوع فني غير معتاد وحولنا الشباب السعودي ذكوراً وإناثاً من المنظمين أو العاملين سواء أمامنا أو خلف الستار وانطلق من هذه الفعالية مروراً بمئات ومئات من الفعاليات الفنية الموسيقية والتشكيلية والثقافية والتربوية والمهنية في هيئات وأحياء وجمعيات وشركات هذا عدا عن ورش العمل القائمة على قدم وساق في كل مؤسسة حكومية وأهلية لتهيئة الشباب السعودي للتواجد في كل مكان وفي كل عمل فهي أذن السعودية الجديدة التي تتحدث مع العالم عبر نسائها ورجالها المجندين في كل موقع تحقيقاً لرؤية طال انتظارها.
حينما قررت مجموعة من سيدات المجتمع يوم 6 نوفمبر 1990 الخروج والمطالبة بالحق في قيادة السيارة لم يكن الأمر سياسياً فقط قدر ما كان يعبر عن حاجة أساسية تمارسها نساء العالم أجمع كل يوم دون أن يفكرن أنه يمكن أن توجد بقعة على كوكبنا الأرضي لا تتيح هذا الحق المغرق في بساطته لنصف المجتمع من النساء. كان الخروج يومها للمطالبة بالحق في حرية الحركة وحرية اتخاذ القرار والحق في الاستمتاع بما يتيحه الوطن من فرص تعليمية وتدريبية ووظيفية وترفيهية والحق في ان تعامل النساء كأنسان فقط دون امتيازات خاصة ودون تمييز.
جاء اليوم الذي طال انتظاره وتقدم فارسنا الشهم وقائد التغيير أميرنا الشاب محمد بن سلمان تحت قيادة مليكنا ليرينا التغيير أينما ذهبنا وأينما تحركنا.. في الشارع.. في المدرسة.. في الأسواق والمستشفيات والمولات وفي كافة المنافذ البرية والجوية: ورشة عمل كبرى ستغيرنا إلى الأبد لنظهر أحسن ما فينا ونتخلص من ركام سنين عجاف ضغطت على قلوبنا وعقولنا حتى كادت تفجرها هباء منثوراً وجاءنا الفارس الشهم ليصحح المسيرة ويقود الأمة إلى الأمام.
لا نتوقع أن يصفق الجميع ولا يجب أن نطلب ذلك والاختلاف السلمي متوقع، بل هو الطبيعة البشرية ذاتها وسيحتاج آخرون إلى وقت أطول لاستيعاب هذا التغير والتماهي معه فيما قد يبقى القلة في منطقة الرفض لكل تغيير وهذه سنة الحياة أيضاً.
نبارك لكل امرأة سعودية ستتمتع بحق قيادة السيارة الأحد المقبل ونقول لها كوني الصورة (الطبيعية) وليس المثالية لما تحبين أن تكوني عليه، فلن يكون هناك حارس خلفك أو سائق أمامك. ستوجدين أنتِ فقط وتقررين أنتِ فقط وهذا ليس سهلاً فمع الاستقلالية في صنع القرار تأتي مسؤوليات كبيرة هي ما يترتب على كل قرار سواء كان في لحظة قيادة السيارة أو ما قبلها أو ما بعدها وأنتن نساء وطني أهل لكل مسؤولية. بارك الله في وطننا وحفظه آمناً مستقراً وعزيزاً أبياً.