د. حمزة السالم
{وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} لم تكن محاجة في ربا قرض، بل في تخصيص اسلاف مال ربوي بمثله. فالكفار الذين حاجوا الرسول عليه الصلاة والسلام إنما حاجوه بعد خيبر، في أن يبين لهم الفرق بين البيع بالأجل وبين السلف الأجل بذهب أو فضة أو تمر أو شعير أو ملح أو بر. لا بأن يأتيهم بفرق بين البيع والقرض بالربا.
فربا القرض لم تكن العرب ولا العجم النصارى تعرفه، لذا لم يتساءل أحد عن ربا معشر يهود الذي نزل فيه قرآن يُتلى في أوائل الهجرة. ولذا لم تردنا أحكام في الربا إلا من بعد خيبر. ولذا ظل أصحاب يُخطئون فيرابون فينهاهم ويعلمهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولم يؤنبهم أو يعاقبهم.
ولذا لم يترفع النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول في حجة الوداع «وأول ربا أضعه ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب « وقد نقل أن في الاثر عند بن كثير وغيره «كان العباس وخالد بن الوليد شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا إلى ناسٍ من ثقيف، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله هذه الآية: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} .
فالتمويل سلف، لذا قال عبد الله الزبير كما في البخاري وغيره، ”إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف“ (والوديعة من القرض).
ولم ترد التمويلات قط في السنة الصحابة إلا بلفظ السلف، وكذلك لم الربا في كتب الإئمة الأولين إلا بألفاظ
”فِيمَنْ سَأَلَكَ سَلَفًا فَأَعْطَاك بِهِ رَهْنًا“ ”فَصَارَ فِي الْبَيْعِ بَيْعًا وَسَلَفًا“ وهكذا. فربا القرض لا يعمله إلا خسيس ساقط المروءة، وهذه صفة أحياء اليهود في كل مدن أوربا.
ومنه ربا الديون كذلك. كما روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم «أنه قال: كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل ، فإذا حل الأجل قال : أتقضي أم تربي ؟» فما من ربا ديون، إنما هو ربا البيوع.
فالعرب عندما سألت النبي عليه الصلاة والسلام، لم تكن حجتهم حجة بيزنطية أو باطلة بل هي حجة لها حظها من النظر وهو سؤال قد صعبت إجابته على كثير من علماء المسلمين. بل ولعله لا يوجد في إجابات علماء المسلمين إلا ما هو خطأ إلى يومنا الحاضر.
وعدم إجابة الشارع سبحانه لهم لم يكن لبيزنتطيته وجدليته، فهو تساؤل في محله، بل لسبب تعقيدات الديناميكية الاقتصادية وتشابكها وتغيراتها وتحولاتها بتغيرات الأنشطة التجارية والصناعية عبر الأزمنة والأمكنة، مع لزوم صلاحية هذا الدين في مكان وزمان إلى قيام الساعة، فكان من الصعب إجابة الكفار على السؤال لعدم استعدادهم العقلي ولا التصوري - لا هم ولا المسلمون- لفهم الإجابة، فكان الجواب: هكذا قال الله والله أحكم الحاكمين. وثم، تبيين الحكمة بعد قرون مديدة، فهو من الإعجاز الرباني الذي يشهد بأن هذا القرآن من لدن حكيم عليم. وهذا شاهد من آلاف الشواهد على الالتزام بالاستنباط من نصوص الوحي من كتاب وسنة، ولا نتعداهما لما يروج من فقه رأي، أسموه بفقه المقاصد ونحوه من المسميات. فمثل هذا الفقه، حرم الفقهاء كثيرا مما لم يحرم الله ، فأضاعوا الإعجاز الفقهي في النصوص، واعنتوا الأمة، وشككوها في دينها.