أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
في تأريخ وطننا المجيد، وماضيه وحاضره المشرف محطات لا يمكن تجاوزها، ومنجزات عظمى، وانتصارات كبرى، وأحداث وتحولات تصنع التأريخ، ولعل من آخر تلك الأحداث المهمة والتحولات الكبيرة ذلك القرار التأريخي الذي أصدره قائد مسيرتنا، وولي أمرنا وملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله- باختيار ولي العهد الأمين، والعضد المكين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ولياً للعهد، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، ولا شك أن هذا القرار هو توفيق من الله جل وعلا لقادة هذه البلاد المباركة، كما أنها امتداد لحفظ الله لدينه، ولهذه البقاع المقدسة، التي اصطفاها الله جل وعلا، وجعلها عرصات مناسكه، ومواطن شعائره، وبلد دينه، ومهاجر رسوله صلى الله عليه وسلم، وستظل بإذن الله جل وعلا محفوظة بحفظ الله، مؤيدة بنصره، ما دام أن من جعل الله قدرهم ولاية هذا البلد الحرام، والوطن العظيم حماة لدينه، حراسًا لهذه المقدسات، يرفعون لواء العقيدة، فهذا الامتداد عاقبة حميدة للتمسك بشرع الله، والحفاظ على دينه، وخدمة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
تلكم الثوابت التي جعلها ولاة أمرنا جزءاً لا يتجزأ من سياستهم، وأولوية قصوى في حكمهم وتحاكمهم، فحفظوا دين الله، فكان العز والنصر والتمكين والاستخلاف الذي وعد الله به من طبق شرعه في قوله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وقوله تعالى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، تمر هذه الذكرى العزيزة هذا العام لتسجل بمداد من ذهب، وبأحرف من نور تحولات عظمى، ومنجزات لا تقاس بمعيار الزمن، وإنما يصنعها أولو العزمات من الرجال، يقف وراء هذه المنجزات ذلكم الرجل المبارك الذي تشرفنا ببيعته، وأبهجنا قرار ولايته في شهر مبارك، وعشر فاضلة، لتنعكس على فترة ولايته للعهد بركة وخيرًا، وعزًا وعزمًا، وقوة وصمودًا، فالحمد لله على توفيقه، وإن أول ما يرصد في هذا الاختيار تلكم السمات الشخصية التي ميّزت ولي عهدنا الفذ، وأميرنا الشهم الوفي فقد أثبت منذ نعومة أظفاره نبوغاً وعبقرية نادرة، وذكاءً مفرطاً، وقدرات واسعة، وإمكانات استثنائية، وعقلاً راجحاً، واستعداداً غريزياً فطرياً لتحمل هذه المهمات التي لا يحملها إلا أولو الهمم العالية، تنامت وغذيت من خلال مدرسة علمية وعملية، وعناية ورعاية تلقاها من والده العظيم، ملك الحزم والعزم، والوفاء والتأريخ، صاحب البصيرة النافذة، والرؤية الثاقبة، والسياسة الحكيمة والمعرفة المكينة ولي أمرنا، وحامي وحدتنا، وحامل لواء سؤددنا الملك المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله وأعزه- فنشأ ولي عهدنا المبارك في هذه المدرسة التي تورث المكرمات، وتصقل المواهب والقدرات، وتنمي الملكات، وتؤسس لتحمل المسؤوليات،والتي تعد امتداداً لمدرسة المؤسس العظيم، والموحد الباني الملك الصالح المجاهد البطل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه- خاصة أن مليكنا المفدى وهو المتفرس الذي لا تخطئ فراسته نثر كنانته، فوجد أن سموه الكريم قد لمع نجمه، وبزغجره، وبز أقرانه، فاختاره لهذه المهمة التي هو أهل لها، وذلك بعد أن شارك في مراحل متعددة منذ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في مهمات ومسؤوليات متنوعة، أثبتت أنه رجل المهمات، وبطل الميادين، وقدر المسؤوليات، وأن الله قد حباه من الخصائص والسمات ما يؤهله أن يكون أحد أركان الدولة، وأعمدة القيادة لمستقبل واعد ينتظر المفاجآت، ولوطن عظيم لم تستثمر من إمكاناته إلا القليل، وتوافر على عدد من مقومات الريادة والعالمية، ومكامن السيادة والتقدم، فقيض الله لهذه المهمة من يؤديها على خير وجه، ويرسم لها خارطة هذا المستقبل المذهل، وما أن اتخذ ولي الأمر قراره، واتفقت كلمة الأسرة الماجدة، واجتمع رأيهم إلا وبادر المواطنون بالبيعة وفاءً وسمعاً وطاعة، واجتماعاً وألفة ومحبة، لثقتهم بأنه رجل المرحلة، والخيار المناسب في الوقت المناسب، ولتبدأ مرحلة من مراحل العطاء والنماء، والبناء لمستقبل وطن غالٍ يستحق ذلك وأضعافه، وتتسارع المنجزات لتسابق الزمن وتكتسح الرياح والجبال، ولتعجز عن الوفاء بها لغة الأرقام والمنجزات، ولتثبت للعالم أجمع أن هذا الاختيار توفيق من الله، ومنبع الخير والبركة لا على مستوى وطننا فحسب، بل على مستوى العالم الذي سلم بهذه السمات والخلال، وجعل وطننا في مكانه المستحق، وكان المعين والعضد المكين لملكنا المفدى -أيده الله-الذي واصل مسيرة والده وإخوانه -رحمهم الله-، تلكم المسيرة الذهبية التي تأسست على نصرة الكتاب والسنة، والقيام على أصل الأصول، وأساس الأمن، وأوجب الواجبات: توحيد الله جل وعلا بصورته الصافية النقية كما نزلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حامية هذا الأصل مما يشوبه ويكدره، محققة لجوانبه، وذلك في إطار سعيها الدؤوب للتعامل مع متغيرات العصر، وتفاعلات الواقع، والأخذ بكل سبب يؤدي إلى النهوض والارتقاء، وبلوغ الريادة والعالمية، وتجاوز الأزمات والفتن، والنوازل والمحن، والمهددات والمخاطر بكافة أنواعها وأنماطها، وصورها وأشكالها. فهي مناسبة غالية، وحدث مهم يمثل بأبعاده المختلفة طور التحديث والتطوير، والنقلة الضخمة على كافة المستويات.
وإن المتأمل في إنجازات صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد الأمين، وزير الدفاع -حفظه الله-، يجد أنه قام بجهد استثنائي، وتميز بالنظرة الصائبة، والقدرة الواضحة، والعزم الصادق على تحقيق التطلعات وقيادة التحولات، ورسم الرؤى، وبناء الاستراتيجيات الضخمة لتمكين هذه البلاد من تحقيق النقلة التي ينشدها الجميع، فكان سموه الكريم بما يحمله من صفات قيادية، وعمل دؤوب، وعطاء متدفق هو المحرك الأول والداعم الرئيسي فيما تشهده بلادنا -ولله الحمد- من عمليات التطوير والتحديث، وما حققته من نجاحات محلية وإقليمية ودولية، وما واجهته من تحديات، ومواقفه -أيده الله- في هذا العام لتسجل بمداد من ذهب، وتجعل هذه المنجزات جزءاً من تأريخ عظيم يصنع بأيدي العظماء، وتحولاً نوعياً فاق كل التوقعات، وشهد العالم أجمع بأن أميرنا المبارك هو رجل المرحلة، وأن مواهبه القيادية، وقدراته الاستثنائية وسماته الشخصية، وثقافته الواسعة التي استقاها من مصادر متعددة كانت وراء هذه المنجزات العظيمة، التي يأتي في مقدمتها القدرة على جمع الكلمة ووحدة الصف، وتشكيل أعظم التحالفات في الوقت المعاصر، ومواجهة أعتى التحديات، وأشرس الأعداء، والتأثير في الواقع الدولي المعاصر لا من جهة الطرف الفاعل فحسب، بل من جهة الثقل العالمي الذي لا يمكن تجاوزه، ولا تحقيق متطلبات السلم والأمن الدوليين إلا بإسهامه المؤثر، وفي الإطار المحلي والعالمي تتكاثر المتغيرات وتمر الأزمات فتكون تلكم المواقف سبباً في تجنيب الوطن والمنطقة آثار هذه الأزمات بل الخروج بأعظم المكاسب، وهذه المعادلة تعد من التميز الذي يتمكن به المرء بعد توفيق الله من تحويل الأزمة إلى منحة ومصدر للتنوع والتطوير.
والحديث عن إنجازات ولي العهد حديث متشعب وذو شجون، والإلمام بالتفاصيل الكبيرة، والأحداث الضخمة لا يمكن الوفاء به ولو استوفى مجلدات، ولكن ومن باب الإشادة والإفادة بالمختصرات، فإن سموه الكريم وفي هذه المدة القصيرة زمنًا، المليئة بالجهد المتواصل، حقق سموه الكريم من المنجزات ما جعله يتصدر أكبر القوائم العالمية لأكثر قادة العالم تأثيراً في العام الماضي، وهي مكانة مستحقة دون شك بالنظر إلى حجم المنجزات وقصر المدة، وقوة التأثير الذي أضفى على مكانة المملكة المزيد من القوة، وحقق لها العديد من المكتسبات، فتبدت قوة الدبلوماسية، وحنكة العمل السياسي الجاد، وسطوة الحضور على المستوى الدولي، وظهر ذلك جلياً في جمع قادة أكثر من خمس وخمسين دولة يربو عدد سكانها على المليار ونصف المليار، وعقد شراكة بينها في محاربة داء عضال، لطالما أرق العالم أجمع وهدد الأمن ولم يسلم من شره أحد، فكانت القيادة للمملكة في دحره، وحازت قصب السبق في مواجهته وكسر شوكته بهذه الرؤية الثاقبة من سمو ولي العهد الأمين، وهذا يدل دلالة قاطعة على ما يحظى به سموه من احترام كبير من قادة الدول الإسلامية والعالمية.
لقد انطلق سموه الكريم من أسس عميقة، ومرتكزات متينة تحافظ على المكتسبات، وتحقق الآمال والطموحات، وتحقق النقلة النوعية، والتحديث والتطوير وفق رؤية استراتيجية شاملة، وخطط نوعية مدروسة تحقق بإذن الله لمواطني هذه البلاد المباركة كل ما يطمحون إليه، وتوصل هذه البلاد الغالية والوطن الحبيب إلى مراتب الريادة والمثالية والتميز على مستوى العالم أجمع في مختلف الميادين، وما من شك أن هذا التحدي الذي نجح فيه سمو ولي العهد -حفظه الله- قد بدأ يؤتي أكله بما تشهده المملكة العربية السعودية من مشاريع عملاقة، وعمليات تطوير وتحديث مستمرة مع تأكيد على الهوية الإسلامية، والمكانة المقدسة التي تحتلها بلادنا المباركة حرسها الله.
ويمكن قراءة ملامح المشروع الوطني الكبير الذي يقوده سمو ولي العهد من عدة نواحٍ، فهناك العناية الكبيرة بالأسس التي قامت عليها هذه البلاد، والمحافظة على هويتها الإسلامية، ومنهجها الوسطي المعتدل الذي ينبذ التطرف والإرهاب، ويتصدى لقوى التكفير والتفجير، ومحاولات اختطاف الإسلام وتشويه صورته، وحماية الثوابت ومحاربة الفساد والإفساد، والإرهاب وتنظيماته وجماعاته، واستهداف هذا الخطر بالمعالجات والمواجهات المختلفة التي استشعر سموه الواجب حيالها، وانتهج منهجًا يقوم على الحزم والعزم، وفرض التحول الوسطي الذي يمثل النهج الذي درجنا عليه، وتعارف عليه الأسلاف، ولكنه شوّه وأفسد بشكل ممنهج متعمد بخطاب الصحوة المؤدلج الذي غذى مشاعر الكراهية والحزبية والإقصاء والتمييز، لينتج عنه أعظم خطر يواجه المجتمعات؛ ألا وهو الخطر المتمثل في الإرهاب والعدوان، والفساد والإفساد، فالمتأمل لهذا الفكر وخطره يجد أنه لا ينحصر في أفكار ورؤى، وإنما هو قناعات ينطلق منها المتأثرون والمنظرون إلى تدمير المجتمعات، ومواجهتها بالخطر، فكان من أعظم منجزات أميرنا المبارك أن قدم هذه الرؤية التسامحية التي تمثل نهج الإسلام الوسطي، وواجه الخطر الإرهابي ممثلاً في جماعاته وتنظيماته وأدلجته، وعلى رأس تلكم الجماعات والتنظيمات الجماعة الأم، تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذين هم وراء أعمال الإرهاب والفساد والإفساد.
ومن تلك الملامح التركيز على وحدة هذه البلاد والمحافظة على مكتسباتها والأخذ على يد كل من يحاول المساس بأمنها ومعتقداتها، والحرب على الفساد والمفسدين والحفاظ على المال العام، والمقدرات الوطنية، وكذلك من الملامح المهمة تعزيز الأنظمة والقوانين، وإصدار التشريعات والتنظيمات، وبناء الإجراءات التي تكفل ضمان الحقوق وتسهيل الإجراءات وتسهم في اختصار الجهد والوقت، وتعزيز الثقة ووضوح الرؤية، ولا شك أن من أبرز تلك الملامح إضفاء الحداثة وتعزيز استخدام التقنية، والتوسع في البنية التحتية وتأسيس الحواضن الاقتصادية العملاقة التي تعد بأن تكون أنموذجاً رائداً على مستوى العالم، وهناك العديد مما يطول المقام بذكره وكل هذا في خلال هذه المدة القليلة، والأمد القصير وذلك ما يزيد من الإعجاب والانبهار بما حققه ولي العهد حفظه الله، فالمملكة العربية السعودية حفظها الله تحظى بمكانة كبيرة بين دول العالم، وهذه المكانة تحتم عليها أن تكون في الصدارة، وأن تتصدى للتحديات الكبيرة التي تواجهها، ومثل تلك الأمور الضخمة والأعمال الجسيمة لا يمكن أن تتم بخطوات ارتجالية، أو أفكار توفيقية، أو نظرة قصيرة وآفاق محدودة، كما أن الواقع الدولي شهد تحولات ومتغيرات كبرى مؤثرة على كافة الأصعدة، ومنها المتغير الاقتصادي المتمثل في الأزمات والركود الاقتصادي، والانخفاض الحاد لأسعار الطاقة، وبلادنا الغالية كانت إلى وقت قريب تعتمد اعتمادًا كليًا على النفط، وكان ذلك مخاطرة تمر بها، ذلك وغيره كان من أهم المتغيرات الملحة التي تتطلب حسمًا وحزمًا ورؤية مستقبلية بأدوات تحقق التكيف مع الواقع، مع التوازن المدروس الذي ينظر من خلاله إلى أفق أرحب، ومستقبل أفضل، فكانت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي قادها ووضع لبناتها الأولى ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله-، واعتمد فيها مكامن القوة، وزوايا الفرض غير المستغلة، ومرتكزات المستقبل الواعد، والمتأمل يجد أنها استراتيجية وطنية شاملة، أعدت بناء على دراسات وافية، ومنهجية علمية منضبطة ستقود بلادنا بإذن الله تبارك وتعالى لتحقيق ما تطمح إليه، وستمكن لأبناء هذا الوطن الغالي من تحقيق كل ما ينشدونه من آمال، ولتستمر بلادنا تنعم بما تعيشه -بحمد الله- من رغد العيش وتوفر متطلبات الرفاه والحياة الكريمة، بل وتتجاوز ذلك إلى تصدر المشهد الإقليمي والدولي كقة اقتصادية، وثقل عالمي لا يمكن تجاوزه.
ولا شك أن الأهداف المعلنة والطموحات المنشودة لهذه الرؤية العملاقة هي محل إجماع وإعجاب من كل أبناء وطننا الغالي بل ومن العرب والمسلمين جميعاً، بل العالم أجمع،لاسيما وأن مهندسها سمو ولي العهد يتميز بوضوح الغاية وتحديد الهدف، فقد شرح الخطط، وفسر الغايات، وأوجز وبين الأهداف للرؤية المباركة، وآليات تنفيذها، وتحدث بعبارات المتفائل الطموح، المخطط الفذ، القيادي والسياسي والاقتصادي الخبير بمواطن القوة، البصير بتحديد الفرص والاستفادة منها، المعتمد على الله، ثم على القدرات التي يمكنها بفضل الله ومنته تحويل الأفكار والآمال والطموحات إلى واقع ملموس، معيشاً على أرض الواقع، يرفل بخيراته المجتمع السعودي بكافة فئاته، ذكوراً وإناثاً صغاراً وكبارًا، ويكفي أن يتابع المتأمل مقابلات سموه -أيده الله- بعد الإعلان عنها، ليقف على طموح الخبير، وخبرة الطامح المتوثب إلى العلا، وإعجاز الفكرة، وفكر الإعجاز، وقيادة الإبداع، وإبداع القيادي المتمكن من كل أدوات الإبداع، فقد أبهر العالم، وألجم المشككين، وأثلج صدور المحبين لوطنهم، الواثقين بالله جل وعلا وبحفظه ووعده الصادق، ثم بهذه القيادة التي استبطنت التقوى، والأمانة ومراقبة الله، واستمدت أعمالها من هدي الشريعة وقواعدها ومقاصدها وخصائصها، واعتمدت خبرة الماضي، واستشرفت المستقبل بهذه المقومات التي أثبتت أنها كانت الخيار الأوحد في عالم المتغيرات، بل كان ما نتج عنها من آثار حميدة، وتحول إيجابي يفوق كل التوقعات، فالحمد لله على فضله ومنته وعطائه.
ومن أبرز إنجازات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - العطاء والوفاء، والنهوض بمسيرة البناء، ولا عجب في ذلك، فهو صاحب الشهامة والهمة العالية، ورائد الإصلاح والتطوير الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والمبدع في التخطيط والمخطط بإبداع وتميز ورؤية مستقبلية مشرفة مشرقة طموحة مذهلة، معتمدًا على الإصلاح المأمور به شرعًا، والذي تكاثرت نصوص الكتاب والسنة آمرة به، ومحذرة من الفساد والإفساد، وبيان أنه مناقض للإصلاح الذي خلق الله الخلق عليه، فالله تعالى يقول: {وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله على هذه الآية: «وَأَصْلِحْ أي: اتبع طريق الصلاح وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وهم الذين يعملون بضد ذلك»، وهذا الأصل الأصيل هو سبب لبناء المجتمعات، وقيام الحضارات، وركيزة في التطوير والنماء.
ومعتمدًا على الانفتاح على الثقافات والاستفادة من الآخرين الذي هو مطلب شرعي وحضاري، ولا يمكن أن تتحقق مصالح الوطن والأمة بالانغلاق والانعزال؛ لاسيما في هذا الزمن الذي بات العالم فيه قرية صغيرة بسبب وسائل الاتصال والتقنية الحديثة، ولهذا فالإصلاح والانفتاح والتواصل مع العالم كلها وسائل نافعة لتحقيق المصالح، وتبادل المنافع، وتعريف الناس بهذه البلاد، ونشر رسالتها ومبادئها، خصوصًا فيما يعد من قبيل الأعراف والعادات الموروثة، التي ألبست في بعض المواطن لباس الدين، وأصبح بعض من ينادون بها يجعلونها بمثابة الثوابث التي لا يمكن تجاوزها، وهذا مرفوض، فالانفتاح والاستفادة مطلوبة إذا وزنت بميزان الشريعة، وكانت تدور في دائرة عدم مخالفتها، وهذا ما نهجه سموه الكريم، بمنهج وسطي معتدل، وميزان دقيق، ومما يحسب له -حفظه الله- العناية بحقوق كافة أطياف المجتمع، خصوصًا حقوق المرأة، ولا شك أن المرأة هي نصف المجتمع، ولا سبيل للتقدم وتحقيق التطور دون توفير المكانة اللائقة والحقوق الواجبة للمرأة، والدين الإسلامي هو دين السماحة واليسر والتطور والنماء والعطاء، وهو دين الحقوق وقد أعطى للمرأة حقوقاً كانت مسلوبة منها في الجاهلية، وكما ذكرنا في قضية الإصلاح والانفتاح أنها تعتمد على الأبعاد الشرعية، وتختلط فيها في إطار التطبيق الموروثات بالاجتهادات الفقهية المبنية على مقاصد وأطر يمكن إعادة النظر فيها وفق المتغيرات، وهذه ميزة الشريعة في تعاملها مع الأحكام المبنية على النظر المصلحي، ورعايتها للأولويات، وعلى هذا النهج سار ولي العهد -حفظه الله- في توفير كل متطلبات بنات هذه البلاد المباركة وتمكينهن من مزاولة العمل الكريم، الذي يحفظ للمرأة مكانتها ويلبي احتياجاتها، ولكن وفق المعادلة التي هي ميزة شريعة الإسلام، في النهج الوسطي الذي يحافظ على الثوابت والأولويات، ويتكيف مع المستجدات، فلا تنازل عن أحكام الدين في وجوب الستر والعفاف والحشمة، والاستجابة لنداء الله وحكمه في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }، ولا انغلاق يقصي المرأة، أو يحرمها من جوانب لا يسندها نص، ولا يحددها حكم ثابت، وهذه هي المعادلة التي تنأى بالمجتمع عن التطرف في جانبيه، على حد ما أفصح عنه ولي أمرنا وملكنا -أيده الله- في قوله: «لا مكان لمنحل يرى في حربنعلى التطرف وسيلة لنشر الانحلال، واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك فنحن إن شاء الله حماة الدين وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين ونسأله سبحانه السداد والتوفيق».
ومن منجزاته العظمى تعزيز النهج الذي قامت عليه دولتنا وهو التطبيق الذي سار عليه سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن الغلو والجفاء، والعنف والإرهاب، والظواهر الشاذة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة.
ولهذا كانت أبلغ المعالجات لفكر التطرف والغلو والإرهاب ما انتهجته بلادنا الغالية في بعدها الشرعي الفكري، الذي يقوم على مواجهة الفكر المتطرف باستهداف أصوله وشبهاته ومنطلقاته التي يُرى أنها شرعية، فيكون هذا الجهد المبارك والقوة الناعمة سببًا في إيضاح الصورة الحقيقية، والشواهد الناصعة الناطقة ببراءة الإسلام من هذا التشويه المتعمد الممنهج، وتقديم الإسلام بنقائه وصفائه وسماحته ويسره ومنهجه في التعامل مع الموافق والمخالف، ولهذا فإننا نحتسب هذه الجهود التي تقدم من دولة الإسلام والعقيدة، ووطن الإيمان والحكمة المملكة العربية السعودية دفاعًا عن الدين، وحماية لبيضته في موازين حسنات ولاة أمرنا أيدهم الله، وأنه سبب ما تنعم به من دوام هذه الولاية الراشدة، وما كتب الله على أيديهم من النعم.
ومن أبرز إنجازات سمو ولي العهد الأمين تفاعله بمنتهى الحزم والعزم مع مهددات الأمن الوطني والإقليمي، وعلى رأسها المخططات الإيرانية في المنطقة، فبحمد الله جل وعلا ثم بحزم وحنكة ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وقفت المملكة العربية السعودية مواقف تأريخية حازمة، كانت بمثابة رسالة قوية، وبيان صريح وواضح، ووضع النقاط على الحروف والدواء على الداء لعلاج الأخطار والمهددات والقضاء عليها واجتثاثها من جذورها واقتلاع نبتتها ولا سيما الوقوف الشجاع في وجه المخططات الصفوية الفارسية، وفروعها وأحزابها وأدواتها، مع رسم خارطة عالمية ذات رؤية ورسالة وهدف غاية في الأهمية أوقفت هذا التمدد الطائفي في بلاد العروبة والإسلام، وقطعت يده الخبيثة عن أن تطول حدود هذه البلاد، ودعمت أشقاءها للتصدي لتلك المخططات والوقوف في وجه أجنداتها وعملياتها المشبوهة في المنطقة، وقد نجحت بلادنا ولله الحمد بقيادة سمو ولي العهد الأمين في حشد الدعم الدولي والإقليمي للتصدي لهذا الخطر وقطع دابره،وإبطال نهجه ودستوره، كما قال سموه: «إن النظام الإيراني الفاسد قام على أيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره ومنصوص عليها في وصية الخميني بأنه يجب أن يسيطر على مسلمي العالم الإسلامي؛ لنشر المذهب الجعفري الاثني عشري الخاص بهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي حتى يظهر المهدي المنتظر»، فسموه وضع يده على مكمن الخلل الذي يعاني منه النظام الإيراني الفاسد، ليؤكد أن هذا النظام قائم على الخرافة والدجل والجهل والخزعبلات، وأنه لا يمكن الوصول إلى نقطة التقاء بين نظامهم المنحرف والمملكة التي تنتهج دين الحق وسياسة السلم والسلام والوسطية والاعتدال، حتى جعل الهدف الرئيسي للنظام الإيراني هو الوصول لقبلة المسلمين, ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية»، هذا الفكر السياسي النير الذي طرحه سمو ولي العهد الأمين هو ما نحتاجه في هذه المرحلة، لنتمكن من التعاطي مع الحالة الإيرانية المتأزمة، ونحمد الله -عز وجل- أن هيأ لهذه البلاد الطاهرة رجلاً بقامة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي حقق طموحات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين على الصعيدين الداخلي والخارجي، فسموه عندما طرح موضوع إيران شخص المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها، وأكد أنه لا يمكن الحوارع نظام يتبنى هذه السياسة التخريبية الفاسدة، فهذه الصراحة في الطرح هي الوسيلة المثلى للتعامل مع السياسات العدوانية التي تنتهجها الحكومة الإيرانية تجاه العالم الإسلامي.
وبعد: فيحق لنا أن نفخر بأمير الشباب، وعرّاب السياسة، وسليل الأسرة الماجدة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في جهود خادم الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله- وأن يزيدهم عزة وتمكيناً، ومن حقهم علينا الوقوف صفاً واحداً تحقيقاً لتطلعاتهم، والذود عن حمى هذا الوطن المبارك ضد كل من يحاول زعزعة أمنه واستقراره. ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها وولاة أمرها، وأن يجعل ما قدموه ويقدمونه في موازين حسناتهم، إنه سميع مجيب.