د. محمد عبدالله العوين
لن يُنسى يوم أمس الأحد العاشر من شوال 1439هـ الموافق 24 يونيه 2018م ولن يغيب عن ذاكرتنا السعودية؛ فهو اليوم التاريخي الذي قادت فيه المرأة السعودية السيارة في بلادها لأول مرة بصورة نظامية وبقرار ملكي كريم.
في تاريخنا الوطني أيام ذهبية للمرأة نقلتها من الجهل إلى العلم، ومن القعود إلى العمل، ومن الانزواء إلى المشاركة المؤثرة.
كان يوم الجمعة 21 ربيع الآخر 1379هـ يوما غير عادي أطلق فيه الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - قراره بإنشاء مدارس لتعليم البنات.
وكان يوم الجمعة 28 من صفر 1434هـ يوما غير عادي أيضاً أصدر فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - قراره بدخول المرأة مجلس الشورى.
وكان يوم الثلاثاء 6 من محرم 1439هـ يوما مختلفا أصدر فيه الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - قراره بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.
ستون عاماً هي الفارق بين بدء تعليم المرأة بصورة نظامية وانطلاقتها بسيارتها محطمة الأوهام، ممزقة خيوط العنكبوت التي بناها نفر وجلون من كل جديد، قلقون مما لم يتعودوا عليه ولم يألفوه.
ولئن كنا قد تجاوزنا الجدل العقيم الذي طال خلال العقود الستة الماضية فيما نصت عليه الأوامر الملكية: التعليم ومجلس الشورى وقيادة السيارة؛ إلا أنه يحسن أن نأخذ منه دروسا مستفادة، فما كانت العقبة في رؤية دينية متكئة على نص قطعي يمنع المرأة من أن تتعلم ولا أن تشارك بعقلها في البحث عما يقدم وطنها وينهض به من خلال عضويتها في مجلس الشورى أو لا يسمح لها بقيادة السيارة؛ بل كان المانع مفاهيم اجتماعية قلقة من الجديد يعضدها الموروث العميق من التقاليد، وليست كل التقاليد الاجتماعية حسنة بالضرورة أو قابلة للتكيف مع مستجدات الحياة واختلاف الأزمنة وتغير الثقافات.
وهنا ثمة ما يمكن أن نصفه بحالة من الالتباس بين ما هو تقاليدي وما هو ديني عند عدد غير قليل من أبناء مجتمعنا، حيث يختلط مفهوم العادة بالمفهوم الديني، وهو ما يحدث التردد والشك والتخوف من كل جديد، ففي الحالة الأولى لسنا ملزمين بعدم التحول عن بعض التقاليد إن رأينا أن التحول عنها أصلح وأنفع ولا يتعارض مع القيم الدينية، وفي الحالة الثانية لا خيار لنا، بل يتحتم علينا الالتزام بما يوجبه النص الديني.
ولو عدنا بالذاكرة إلى الماضي لأخذنا العبرة مما حدث؛ فقد قامت حملات اجتماعية في أكثر من مدينة وقرية ضد من طالب بتعليم المرأة، وأغلقت إحدى الصحف نتيجة البلبلة التي أحدثتها بنشر مقالات تطالب بتعليم الفتاة، وما كان الكتاب المستنيرون يستطيعون التصريح بأسمائهم؛ فقد كتب أحمد سباعي في «صوت الحجاز» باسم «متعلمة حجازية».
ودخلت المرأة المجلس فما رأينا منها إلا حضوراً مشرفاً وحماسة وطنية عالية مع كل قرار مفيد، وها هي الآن تقود سيارتها بحشمة وثقة، وبتعامل حضاري راق من مجتمعها.