رقية سليمان الهويريني
في تصرف غريب قرَّر أحد وزراء الشؤون البلدية والقروية السابقين عام 2000م إيقاف تشجير المدن واجتثاث كثيرٍ من الأشجار فيها بدعوى أن لقاحها يسبب حساسية للناس!! ومعروف أن اللقاحات عموماً تسبب الحساسية للبعض وليس الكل، وما يؤسف له أن ذلك القرار غير المدروس أدى لتدمير الوعي البيئي المجتمعي، حيث فقدت الشجرة قيمتها وصارت تمثِّل رعباً، فطفق الناس يجتثون أشجار الزينة من بيوتهم وشوارعهم؛ لدرجة أنهم استندوا على أحاديث نبوية موضوعة أو ضعيفة تقلِّل من أهمية الأشجار غير المثمرة ووظّفوها لتخدم هذا التوجه!
وفي الوقت الذي يتغنى به السياح السعوديون بالطبيعة الساحرة للبلدان التي يسافرون لها ويستمتعون بأجوائها الباردة؛ يعمد معظمهم لاقتلاع الأشجار في بلدهم بدون أدنى إحساس بالجناية على بلد صحراوي قاحل متعطِّش للزراعة والتشجير!
ورغم تدخل الحكومة ووقف قرار الوزير؛ إلا أن الناس لم يعودوا لزراعة الأشجار، واستمروا بالتخلّص من المزروع بالبيوت والاحتطاب الجائر في الصحاري، واستعذبوا الراحة وعدم رعاية الأشجار (بلا زراعة بلا همّ)! خصوصاً مع انتشار الأبواب الأتوماتيكية وإدخال السيارات للمنازل - تحت المظلات - فلم يعد للظل أهمية برأيهم!
وطالما كنا في بلد صحراوي فنحن بحاجة للغطاء النباتي وظل الأشجار وتلطيف الأجواء والحفاظ على جمال المدينة وتقليل التلوث، كما أن منظر الاخضرار يسر النفس ويكسر شدة الحر. والعجيب أننا نستهلك يومياً مليون برميل من النفط لأجل الكهرباء، يصرف منها 70 % للتكييف! ومعروف أن التشجير يخفض استهلاك الطاقة بـ25 % على الأقل، مما يعني توفير كميات هائلة من استهلاك النفط.
ولو كان هناك مشروع وطني ينشط به أصدقاء البيئة ومحبوها تحت إشراف وزارة البيئة والزراعة لغرس الأشجار الوارفة على جوانب الخطوط السريعة خارج المدن، والاستفادة من مياه الصرف الصحي بعد تكريرها لسقاية الشجر لما شعرنا بالسأم من طول الطريق، فضلاً عن تقليل موجات الغبار التي تجتاح بلادنا، مع إصدار قانون تجريم تقزيم الأشجار القائمة.
ولست أرى أجمل من الأشجار في مواطنها، حيث الغضا في عنيزة وشجر الأرطى في صحراء النفود والدهناء والكينا والمرخ في الطائف وجنوب المملكة، وكذلك السدر والأثل في أقاليم عدة، وهكذا تنتشر الأشجار في مختلف مناطق بلادنا الحبيبة وتصبح جنةً خضراء.