«الجزيرة» - محمد السنيد:
تحتفل الأسرة الدولية في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يشكل مناسبة للتوعية بأخطار الإدمان على المخدرات وآثاره المدمرة، وكيفية التعرف على أعراض التعاطي والتبصير بما يجب اتباعه لتفادي الوقوع في شرك المخدرات عن طريق التنشئة الاجتماعية السليمة وتنمية الأخلاق القويمة وزرع المبادئ والمثل السامية. وتلبية احتياجات الشباب في وقت مبكر يتناسب مع نموهم الفكري والجسدي والنفسي والعقلي لمنع وقوعهم في أتون المخدرات واحتراقهم بلهيبها.
ويأتي الاحتفال بهذا اليوم إيماناً من دول العالم بأهمية تنسيق الجهود واعترافاً بضرورة الوقوف صفاً واحداً في وجه هذه الآفة وتوحيد الجهود لمحاربتها لا سيما أن المخدرات تهدد العالم بمخاطر تفوق جسامتها ما أحدثته الحربان العالميتان الأولى والثانية والحروب الحديثة، بل إن بعض المراقبين يؤكدون أن المخدرات هي أخطر ما واجهته البشرية على امتداد تاريخها وتشير التقارير الصادرة عن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن هذه الظاهرة لا تزال في تفاقم على مستوى العالم رغم الجهود العالمية المبذولة لمكافحتها.
كما أشارت التقارير الدولية الحديثة إلى أن حجم التجارة العالمية في المخدرات والعقاقير الممنوعة يتجاوز 800 مليار دولار سنوياً وهو ما يزيد على مجموعة ميزانيات عشرات الدول النامية والفقيرة.. وتشير تقارير المؤسسات الصحية العالمية إلى وقوع أكثر من مليار إنسان في تعاطي المخدرات وإدمانها -يمثل الشباب النسبة العالية منهم- مما يكلف الدول ما يزيد عن 150 مليون دولار سنوياً في برامج علاج الإدمان والتوعية خطورتها وتشير تقارير الهيئات الدولية إلى أن عدد المتعاطين يزيد على 210 ملايين شخص في كل عام وأن أكثر من 15 مليون شخص يصابون سنوياً بالإدمان بسبب التعاطي ويلاقي ما يقارب 200 ألف منهم حتفهم سنوياً بسبب المخدرات فضلاً عن أن عدد حالات الوفيات المرتبطة بالكحول سنوياً حول العالم تناهز المليون وثلاثة أرباع المليون وعليه فإن تعاطي المخدرات والاتجار بها ليس خطراً على الصحة فحسب بل بهذه أيضاً الاستنفار العالمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم سيما وأن كثيراً من المنظمات تقوم بعمليات غسل أموال لتغطية نشاطاتها المشبوهة.
ومما لا شك فيه أن جرائم المخدرات بشتى صورها وبكل أبعادها لا تزال تمثل حجر عثرة أمام خطط التنمية وتفعيل القدرات البشرية والاستفادة منها لدى الكثير من الدول عبر تهديد الموارد البشرية وزعزعة الكيان الاجتماعي والسياسي للدول وانحدار القيم الأخلاقية والحضارية للشعوب.
ومن المسلم به كذلك أن التأثيرات المباشرة لآفة المخدرات لا تقتصر على المتعاطين لها بل تمتد تداعياتها الوخيمة لتشمل أسر المدمنين والمجتمع برمته ويعزز الاتجار بالمخدرات التي تشكل مصدر خطر كبير يهدد الصحة العامة شبكات الجريمة المنظمة غير الوطنية وتفشي الفساد واستشراء العنف وتمس أضرار هذه الآفة الملايين من الناس وبخاصة الفقراء والفئات الهشة من النساء والأطفال.
ويشكل الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات كذلك مناسبة لتقييم السياسات الوطنية والدولية لمحاربة هذه الآفة المدمرة وابتكار تدابير جديدة لمواجهتها واعتماد نهج قائم على الوقاية والعلاج ويمكن أن يتم هذا من خلال اتخاذ إجراءات وتبني سياسات تهدف إلى زيادة حجم الموارد المخصصة لبرامج الوقاية والعلاج وإعادة الإدماج الاجتماعي وتدابير الحد من الأضرار.
وأشارت تقارير في مجال مراقبة المخدرات إلى أن النساء والفتيات يمثلن ثلث العدد الإجتماعي للمتعاطين عبر العالم ولكنهن لا يمثلن في المقابل سوى خمس الأشخاص الذين يستفيدون من علاج الإدمان وذلك لكون النساء الراغبات في العلاج يواجهن صعوبات وعراقيل ذات طابع اجتماعي وثقافي وشخصي.
وعلى الصعيد العربي يواصل مجلس وزراء الداخلية العرب سعيه لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وسائر دول العالم والهيئات الإقليمية والدولية ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة التحديات الناجمة عن مشكلة المخدرات العالمية بطريقة إنسانية تسعى لحماية حقوق الإنسان خاصة الحق في الصحة والرعاية الصحية وزيادة الوعي بأثر التدابير المختلفة المنفذة للتصدي لمشكلة المخدرات العالمية.
ومنذ نشأتها دأبت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية على اتخاذ العديد من الإجراءات لمكافحة المخدرات والوقافة منها إذ سعت إلى تشكيل لجان وطنية لشئون مكافحة المخدرات في جل الدول العربية تضم في عضويتها مختلف الوزارات والدوائر والجهات الرسمية والفعاليات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني وهي تعنى برسم السياسة العامة حول ظاهرة المخدرات وأسس مكافحتها والوقاية منها في الدول الأعضاء.