د. محمد عبدالله العوين
قال لي أحد الزملاء مطلع عام 1412هـ وقد اشتهر بقوة الحدس والقدرة على استقراء الأحداث: سيأتي يوم تتغير فيه كثير من المفهومات ويقبل المجتمع ما يرفضه الآن!
ولأن توقعاته عن أشخاص وأحداث قد صدق عديد منها لم نجرؤ على رفض ما يدعي أنه يمكن أن يحدث؛ بل نحمل رؤيته على التفاؤل وحسن الظن بتقدم وعي المجتمع وتأثير الثقافات الإنسانية وإن كان تأثيراً غير بليغ؛ بسبب ضعف وسائل أدوات المعرفة والتواصل آنذاك.
وفي ليلة جدل صاخبة بحضور حشد من الزملاء وكان هو المتحدث الرئيس كعادته بخفة ظله وقوة ذاكرته وقدرته على حبك القصص والتمثيل في أدائها وكأنه بطل على المسرح يقوم بأداء دوره بمهارة وإتقان وبصوت قوي فخم مجلجل ما كان أحد منا قادراً على السطو على مقود الحديث واختطافه منه؛ قال:
- يوما ما ستشاهدون أيها الشباب أفلاماً عالمية في قاعة سينما في الرياض! وستقود المرأة السعودية السيارة! وسيكون في الرياض قاعة مسرح ضخمة، سيحدث انفتاح ثقافي واجتماعي كبير تفرضه طبيعة التحولات الحضارية القادمة في العالم ووعي الأجيال الشابة وتطلعاتها إلى الحياة العصرية، تأكدوا مما أقول.
قلنا يا أيها المستشرف على ماذا تبني توقعاتك الخيالية المسرفة في التفاؤل أو التمني؟!
قال: مع تقدم وسائط الاتصال وثورة المعلومات وتفجرها المنتظر سيزداد وعي الناس وسيطلع كثيرون على أفكار ومعارف كانوا يجهلونها، وستتقارب الثقافات الإنسانية ويحدث ما يشبه التلاقي بدلا من التنافر والتكامل بدلا من الصراع والتنافس بدلا من إلغاء الثقافة الأخرى.
وزاد على توقعاته الثقافية الخيالية حدسه بسقوط الأنظمة العسكرية الدكتاتورية، وضرب مثلاً بنظام حافظ الأسد ومعمر القذافي وصدام حسين، وقال إن هذه الأنظمة الشمولية المستبدة لا تتوافق مع طبائع الشخصية العربية التي توارثت الاعتزاز بالذات والارتياح إلى أنظمة الحكم الملكية المنبثقة من التقاليد العربية الأصيلة والتي يعامل فيها الملك شعبه بروح الأب، ولذلك - والكلام ما زال للمستشرف - يخيل إلي أن أنظمة الحكم العسكري المستبدة ستتهاوى في سنوات قليلة قادمة مع ازدياد تأثير الثقافات الإنسانية التي ستنقلها وسائل الإعلام».
كانت قناتا mbc والفضائية المصرية عام 1412هـ القناتين الوحيدتين في الفضاء؛ وربما أوحى إليه انطلاقهما عبر قمر فضائي بأن هاتين القناتين سيتوالد منهما مئات القنوات، وأن هذا القمر سيولد منه أقمار عدة، وستتغير مفهومات وتحدث تحولات سياسية واجتماعية وثقافية هائلة.
ونحن اليوم قريبون من نهايات عام 1439هـ من كان يتوقع أن يحدث ما حدث خلال سنوات ثلاث فقط؛ دعك مما قبلها بدءاً من عام 1420هـ بعد أحداث 11 سبتمبر.
هل نحن في حلم أم علم؟! هل ما نراه حقيقة أم خيال؟! وهل ننتظر أكثر مما حدث الآن؟!
الفضل في هذا التغيير السريع للملك سلمان بن عبد العزيز ولولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان صانع رؤية 2030 التي نتدرج في الوصول إليها بخطوات عميقة واثقة تبني «السعودية الجديدة».