فهد بن جليد
صوت شاعر جاهلي يصدح في جنبات مول عصري، مشهد يُبهر المتسوقين ويشدهم لمُتابعة مُساجلة بين أباطرة الشعر العربي الفصيح، من الفرسان الذين تُزين أسماؤهم وأشعارهم التاريخ، ما سبق ليس سوى جزء من فكرة تسويق (سوق عكاظ) في نسخته الثانية عشرة - يُفتتح الليلة برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين - وهي الفكرة الذكية التي تُميز النسخة الحالية من السوق لأنَّها بدأت مُبكراً، من خلال تسويق نفسها - لأول مرة - للجمهور في مُختلف مناطق المملكة، بفعاليات تراثية وتاريخية ومسرحية تُحاكي قصة عكاظ السوق، والجادة، والثقافة، والمحتوى، وتعكس فنون البيع والشراء، وتُصوِّر القوافل التاريخية وكيف كانت تفد إلى عكاظ من الشمال والجنوب، إضافة إلى حالة الإبداع عند العرب، كأمة لها تاريخ طويل ومجيد من الثقافة والحضارة الإنسانية.
هذه خطوة مُتقدمة تُحسب للمُنظمين، فهي ببساطة وضعت المُتلقي في قلب المكان، وعرَّفته بأيقونة الحدث، من خلال حزمة من الفعاليات التاريخية المُصغرة والمُشوقة التي تدعو الناس لزيارة السوق، واقتطاع جزء من وقتهم المليء بمُغريات الحياة العصرية والتقنية، نحو هذه الإطلالة التاريخية المهمة، وهو ما يُحفزنا - بعد نجاح التسويق المحلي - لترقب تسويقاً أوسع في عواصم وبلدان عربية، ومن ثمَّ أجنبية، في النسخ المُقبلة من سوق عكاظ، الذي أنظرُ إليه كأول تجمع بشري في التاريخ للاعتراف بالموهبة والإبداع بشكل جماعي، وعرضها مباشرة للاختبار أمام ذائقة الجماهير, لتتناقلها الركبان إلى بقية أصقاع الدنيا، وهذا أكبر دليل على علو كعب حضارة العرب في جاهليتهم، وكيف أنَّها تفوَّقت وسادت على حضارات الأمم الأخرى في ذلك الزمن.
هذا العام سيدفع الزائر للمرة الأولى رسوماً بسيطة مُقابل دخول سوق عكاظ، وهذه خطوة رمزية تعطي أهمية وقيمة أكثر للمناسبة، وتعيد تشكيل مفهومنا نحو مثل هذه المهرجانات والأحداث الثقافية والإبداعية والسياحية وقيمتها التاريخية وتكلفتها المادية، إن كان العالم سيُتابع هذه الليلة حفلاً مُبهراً لافتتاح سوق عكاظ عبر العديد من القنوات الفضائية التي ستنقل الحدث على الهواء، فإنَّ جمهور عكاظ وزائري الطائف سيتمكنون خلال الليلتين التاليتين من مشاهدة إعادة حيَّة للحفل على المسرح دون مُقابل، وهذا فكر تسويقي جديد أيضاً يستحق الإشادة.
وعلى دروب الخير نلتقي.