محمد المهنا أبا الخيل
يعيش أكثر من (50) مليون متحدر من أصل صيني خارج الصين، في حين يعيش ضمنها (1.3) مليار صيني، ويقدر عدد المتحدرين من أصول هندية ويعيشون خارج الهند بـ (26) مليوناً مقارنة بما يزيد قليلاً على (1.2) مليار يحملون الجنسية الهندية، في حين يبلغ عدد المغتربين اليابانيين فقط (3.6) مليون من أصل (120) مليوناً يعيشون في اليابان، أما العرب فيبدو أن الهجرة بعض من طبيعتهم، حيث يبلغ عدد المغتربين العرب منذ العام (1800) م ما يزيد على (38) مليوناً خارج الوطن العربي مقارنة بإجمالي عدد سكان الدول العربية البالغ ( 389) مليون، حيث يمثل المهاجرون العرب (10 في المئة) من مجمل عدد السكان العرب، وهذا الرقم هو أعلى نسبة مهاجرين بين شعوب العالم.
التنقل والسفر والبحث عن المكان الأفضل للمعيشة أحد طبائع العرب وبعض من تراثهم، وحيث يحمل العربي ثقافة تراثية منفتحة فلا تمثل له الغربة عائقاً كبيراً، فمعظم العرب المهاجرون يندمجون في المجتمعات التي يهاجرون إليها، بعد جيل أو أكثر ينصهر العربي تماماً في الثقافة التي يهاجر إليها، وقد يبقي بعض المهاجرين صلات وتواصلاً مع أصولهم العربية بصورة أو أخرى، ولكن في الغالب أن العربي يندمج في الثقافات الجديدة أكثر من غيره، وربما أن هجرات العرب للبلدان الأخرى بدأت في صدر الإسلام وخلال فترة فتوحات الدولتين الأموية والعباسية، حيث انتشر العرب في معظم بقاع الأرض المعروفة حين ذاك، بل إن هناك قصصاً تروي عن هجرات قبائل عربية واندماجهم بمجتمعات بعيدة عنهم مثل القول إن مهاجرين عرباً قطنوا جزيرة (كيوشو) في اليابان قبل الميلاد واختلطوا بأهلها، وأن بعض قبائل العرب قد هاجرت إلى (أمريكا) وتخالطوا مع الهنود الحمر قبل رحلة كولمبوس.
هجرة العرب من بلدانهم في صدر الإسلام وبعده أسهمت في نشر الإسلام وتنمية المعارف الإنسانية وساهمت في بناء حضارات واتصال حضارات لم تكن تتصل ببعضها، وجعلت العلوم والطب والهندسة مشاعة في ثقافات الشعوب التي اختلطت بها، لذا كانت هجرة العرب في حينها أحد مظاهر الحضارة الإنسانية وربما أهم محفزات التقدم الحضاري الذي نعيشه اليوم، وحتى بعد أن ضعفت الدولة الإسلامية وتشتت في صورة ممالك وسلطنات إقليمية بقي العرب في ذهنية تلك الشعوب هم مصدر الإلهام والمعرفة والثقافة، فباتت بلاد العرب مقصداً للباحثين عن المعرفة وأصبحت عواصم العرب التقليدية كمكة والمدينة وبغداد ودمشق والقاهرة مهجراً لكثير من الشعوب التي اعتنق أهلها الإسلام، وربما في عصور متأخرة أصبحت عواصم الأندلس محج للباحثين عن الحضارة والمعرفة من الأوروبيين، ومع أن ذلك شجع الطامعين بالثروة والغزو من الصليبيين الغربيين والمغول الشرقيين على الهجوم العدواني على بلدان العرب وحواضرهم، حيث أحدثوا الخراب والدمار ليس في المنجزات الحضارية المدنية ولكن بالثروة الثقافية والعلمية.
في العصر الحديث تزايدت هجرات العرب بصورة غير مسبوقة للبلدان الأخرى، ولكنها هجرات لا يدفعها حب نشر العلم والمعرفة والتأثير في الشعوب بقدر ما يدفعها الخوف من البقاء في بلدانها، الخوف من الاضطهاد والخوف من الفقر والخوف من الهوان، العرب وخصوصاً عرب (الهلال الخصيب) اليوم يهاجرون عنوة وليس وداً، معظم العرب يهاجر كلاجئين يبحثون عن مأمن للحياة، فينظر إليهم كعالة على العالم، فالعربي حين يهاجر اليوم يهاجر لأن بلاده أصبحت غريبة عنه، أصبحت بلاداً تموج بها حركات التطرف والتصفيات ويعيث فيها ذوو الأطماع وسراق الأمل، العربي العراقي والسوري والفلسطيني واليمني اليوم ينظر لبلاده وهو يغادرها بحسرة، فلم تعد سوى مرتعاً لعبث فارسي أو صهيوني بغيض، وهذا العبث الذي بات له أنصار وجلاوزة من طينة بلادهم، لا هم لهم سوى خدمة هوى الفارسي بحفنة من الدولارات أو التومانات التي لم تعد تساوي الورق الذي طُبعت عليه.
وأنا أستعرض بعض صور آلام المهجرين واللاجئين التي تزخر بها قنوات الإعلام أسأل الله أن يعيد اللاجئين والمهجرين لأوطانهم، وييسِّر لهم سبل عمارتها ودحر طمع وخراب الفرس كما دحر أجدادهم قبلهم غول المغول والتتار والصليبيين، وأن يحفظ بلادنا ويعزها بقيادتها وشعبها وبلاد العرب عامة لتكون كما كانت عبر التاريخ منارة للحضارة الإنسانية.