د. خيرية السقاف
كأن الدلو خالٍ, والبئر غائر, والمستسقي عطِشٌ, والمكان يباب..
كأن المحضن غابةُ شوكٍ, والكفوف دماء..
كأن المحبرة بخار, والعصا خيال..
كأن المدرسة حلبة لهوٍ, والكتاب ماء..
كأن المعرفة هشيمٌ, والبصر عتمة, والقلوب هواء..
كأن الآذان سطوح, والعقول أصداء..
كأن الأوتاد طين, والبناء خواء..
كأن الأبواب مزالق, والدروب ضباب..
محض نتيجة حين التمعن في سلوك ثلة كبيرة من الناس عبر وسائل التواصل المختلفة, الذين لا يميزون بين الحقيقة والحلم, بين الحرية وعدم المسؤولية, بين المكسب الطبيعي والتهافت عليه, بين القيم وقشورها, بين الحكمة وادعائها, بين التعبير عن الرضا وابتذال الفرحة..
بين واقع جميل ومستقبل يستشرف كل التطلعات, وبين تسطحهم, وضجيج افتعالهم..
هؤلاء الذين يخدشون الجمال, بهشاشة تفاعلهم معه..
الصراحة, إن الوطن ينمو, يتسارع في خطاه, يلملم الهشيم ويذروه للريح, يوطد دعامات أبنيته, يقيم أوتاده, يجذِّر قيمه ولا يتخلى عنها, يُرسي الاعتدال, وينشد الروية, يعوِّل على الوعي, ويشحذ العزائم, يعمل لأن تصبح الأحلام وقائعَ, والحرية مسؤولية, والمكاسب حصادًا, والقيم جذورًا, والحكمة موقفًا, والرضا إنجازًا, والفرحة نتائجَ, والجمال يافعًا, غضًا, أخضرَ, نديًّا في كل ما يُشاهَد, ويُسمع, ويكُتب, ويُقرأ, ويُقال, ويُفْعل, حيث يكون الفرد, والجماعة..
فبئر حُبِّه هذا الوطن رويٌ, ودلو السقيا فيه مدرٌ, ومحاضن التربية على ثراه مكينٌة, ومدرسة الواجب نحوه مشرعة, ومحبرة العطاء منه, وله مفعمة, والأبواب فيه مشرعة للعمل, والأوتاد في أركانه متجذرة, وسُبل الانتماء إليه منبسطة نهجا, ووسيلة, وكفَّاه ممتدتان للسلام, وكتاب هويته محبَّر بأبجدية أولها هو هذا الوطن الأصيل, وآخرها هو هذا الوطن الأثير..
أفلا يكون هؤلاء أكثر وعيًا, وأكثر ضبطا للذات, وأشد عناية بما يواكب عجلة تطوره, ومستقبل أحلامه؟!..
إنه يستحق أن يرقى كل الناس فيه, وليس بعضهم لمستوى قيمته, منجزاته, نجاحاته, ومكاسبه باختلافها.