د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تأملت لعبة كرة القدم، ونحن في موسمها العالمي هذه الأيام، وتأملت الدنيا على هذا الكوكب، فوجدت بعض التشابه في بعض مناحيها، فكرة القدم كروية الشكل ملونة، يغطيها أديم من جلد، وهكذا كوكبنا بيضاوي الشكل، والدنيا فيه متلونة، ويغطي قاطنيه أديم من جلد أيضاً، والكرة لها محبون وعشاق يحرصون على الاستمتاع بها، ويجتهدون في إتقان لعبها، ومعرفة قوانينها وأحكامها، وتحليل ما ينجم عنها، وهكذا الدنيا يحرص البشر على جمعها، ومعرفة أسرارها الفيزيائية والكيميائية وما تنتجه من طاقة، وما تبعثه من أمل، وما تمد به لإنسان من متع.
كرة القدم تتطلب من اللاعبين دراسة القوانين، والخطط، وبناء الجسم والتحفيز المادي والنفسي، والتدريب المتواصل المنضبط، وبعد ذلك التطبيق في الميدان وهكذا الدنيا تحتاج من بني البشر إلى الكثير من الجهد والدراسة والمثابرة والصبر والعناء، والمحافظة على الصحة، وهي أيضاً تتطلب اتفاق على التعليم والتدريب، وإتقان للمعرفة، ومن ثم تطبيق ذلك في العمل بشكل جاد.
من فنون الكرة ألاّ تحتفظ بها كثيراً، وأن تتقن تسلمها وتسليمها لمن يوجد في المكان المناسب، وأن يكون التركيز حاضراً عند التسلم والتسليم، وأن يتم ذلك بكل سرعة متاحة، لأن المنافس لن يترك المجال لحامل الكرة أن ينتظر ويفكر ملياً ليتخذ قراره، وأهم من ذلك أن لدى حامل كرة القدم خيارات كثيرة ومتعددة لمن يسلم الكرة له، وعليه أن يختار الأفضل موقعاً، والأقرب إلى تحقيق الهدف، وهكذا الدنيا تتطلب من البشر الحرص على استحواذها والتخلص منها بسرعة للمستحقين وأصحاب الحقوق، والقادرين على السعي الحثيث والعمل الجاد للرفع من شأن المنشأة، لتحقيق الأمل، وبلوغ الغاية، وهي أيضاً تتطلب السرعة في الإنجاز والإتقان.
في كرة القدم يتصارع المتنافسون، ويتزاحمون، ويهاجمون، ويدافعون، ويستخدمون قوتهم الجسدية، وسرعتهم، ومهاراتهم الفردية للفوز على المنافس، في حدود القوانين والالتزام بها، وهم يركزون على الأفضل لتسليمه الكرة، في الوقت الذي يضع الفريق المنافس نصب عينيه ذلك اللاعب الماهر ليحدوا من قدراته، وتحجيم كفاءته بطرق مشروعة وغير مشروعة، غير أن استخدام الطرق غير المشروعة ينتج عنها عقاب مناسب.
في هذه الدنيا الفسيحة، تتنافس الدول، والمنشآت والبشر، ويحتدم التنافس تارة، ويهدأ أخرى، وهم أيضاً يستخدمون ما وهبهم الله من قدرات، فيهاجمون ويدافعون ويدخلون الحروب لردع عدو صائل يريد الإطاحة بهم، وهم أيضاً يدرسون قدرات منافسيهم، ويتلمسون أفضلها لإبطال كفاءتها ليتمكنوا من الظفر بالجانب الآخر، وهم يستخدمون كل الوسائل المتاحة لديهم في ذلك من مال ورجال وإعلام وتخطيط كما هي كرة القدم، غير أن الفارق يقع في الالتزام بالقوانين وتطبيقها، ففي هذا الكوكب وضعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد وضع القوانين اللازمة لذلك، لكن ليس هناك حكم في الساحة مطاع يفرض القوانين ويعاقب المتجاوزين، أما في حدود المنشآت والدول فهناك من يدير المنشأة وكذلك حكام الدول الذين يراعون القوانين المطبقة في منشآتهم أو دولهم، ولهذا فإن الأمور تسير بسلاسة أكثر داخل الدول والمنشآت، بينما يصعب السيطرة على ما يحدث بين الدول.
وفي نهاية الأمر فإن المجتهد والمؤدي أداءً حسناً والأفضل في ميدان كرة القدم يحتاج إلى حظ كبير ليساعده على الفوز لاسيما عند تقارب مستويات المتنافسين، وهذا شيء واضح للعيان، فنجد فرقاً خسرت في الدقيقة التسعين، رغم صمودها تسعين دقيقة وهناك الكثير الذي يخسر في الوقت بدل الضائع، ولولا الكثير من الحظ لما عجز الفائز عن الفوز تسعين دقيقة، ليتاح له فرصة واحدة تجعله يفوز على منافسه وهناك من يلعب بصورة أفضل لكن الفرصة لا تتاح له إلاّ في اللحظات الأخيرة.
والبشر في هذه الدنيا مثل ما نجد في كرة القدم، يحتاجون إلى شيء من الحظ مع شرط الاجتهاد والمثابرة. وكثير من المواهب الخارقة لم يتح الحظ لها لإبراز ما لديها رغم امتلاكها قدرات هائلة في ميادين شتى، ولن أضرب أمثالاً لذلك، فالحياة عجت وتعج بالعديد من الأمثال.
بعد هذا يا ترى أليس هناك عدد من النقاط المشتركة بين الدنيا وكرة القدم؟