زكية إبراهيم الحجي
الحياة الاجتماعية في أي مجتمع نسيج متكامل من الأفكار والنظم والسلوكيات التي لا يمكننا الفصل فيما بينها باعتبارها تُشكل التركيبة الثقافية لأي مجتمع وإلى درجة تحدد مستوى تطوره الحضاري.. لذلك لا بد أن يأتي النموذج العام لأي ثقافة مجتمعية منسجماً مع الإطار الاجتماعي الذي أنتجها.. ويرسم بالتالي السمات والمظاهر الاجتماعية لدى الأفراد الذين يتشربون هذه الثقافة ويعملون ما بوسعهم للحفاظ على هذا النموذج وتطويره بما يلائم عادات وتقاليد المجتمع وقوانينه السائدة المعمول بها.
لكن ماذا لو حدث وفقد مجتمع ما الطابع المعتاد وانسلخ بعض أفراده عن ثقافة سائدة في مجتمعه إلى ثقافة من نوع آخر أقرب ما تكون إلى ثقافة فجة لم يألفها المجتمع من قبل.. ثقافة تغزو بعض العقول وتزيف وعيه.. وأعني ثقافة «شوفوني» ثقافة التباهي والاستعراض أمام الملأ وامتدادها إلى وسائل التواصل الاجتماعي فباتت هذه الوسائل فضاء للتباهي والإسقاطات النفسية والاجتماعية لدى هذا البعض بدل أن تكون بالنسبة لهم فضاء للتواصل الاجتماعي وتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب الآخرين.
رغم الفوائد الكثيرة التي تمنحها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي حيث أسهمت في توفير مساحة للتعبير عن الآراء وطرح وجهات النظر في مختلف الأمور المتعلقة بحياة وشؤون المجتمعات.. ومجالاً لتلاقح الأفكار وتبادل المعارف والمعلومات إلا أنها أوجدت سلبيات سلوكية بدأنا نلمس آثارها بمرور الوقت ومنها ثقافة الاستعراض «ولا أعمم» ثقافة أسهمت في إنتاج جيل يهتم بالمظاهر ويتباهى بالصورة والخبر على حساب المضمون.. وكأن عقدة حب الظهور قد استحكمت فيهم
التباهي والتفاخر سمة من سمات عدم الثقة بالنفس ومحاولة دفع أخطار العالم الخارجي ومقاومة الضعف أمام الناس فينقلب الأمر بصورة عكسية إلى التعالي والتباهي في التعامل كنوع من أنواع الحماية الزائفة التي تجسد مدى هشاشة واضطراب شخصية المصاب بها.. لذلك فإن تجاوز هذه المظاهر السلبية تتأتى بتنشئة اجتماعية سليمة تجعل الفرد متوازناً نفسياً واجتماعياً واقتصادياً ينظر إلى الآخرين من باب التعاون وليس من باب التنافس والتنافر.. والتنشئة الاجتماعية السليمة لا تقتصر على الأسرة وحدها بل تشترك المدرسة والبيئة الاجتماعية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في ذلك كله.. والتوعية بأن ثقافة التباهي والتفاخر تنحصر في التنافس الشريف من خلال التفوق في الدراسة وميادين العمل والإنجازات والابتكارات التي ترفع رأس صاحبها وتعود بالنفع على مجتمعه ووطنه.. فعظمة الأعمال تستحق فعلاً أن نفخر ونتباهى بها أمام العالم.