د. عبدالحق عزوزي
هناك سؤال يطرحه العديد من المختصين في العلاقات الدولية ومجالات الاستراتيجية: في مجال التكتلات الإقليمية والجهوية ومتعددة الأطراف هل يمكن فصل ما هو سياسي عما هو اقتصادي واستراتيجي؟ لا أظن ذلك. ولعل أفضل مثال يمكن أن نذكره هو الاتحاد من أجل المتوسط؛ ففي سنة 2008 أنشئ الاتحاد من أجل المتوسط، وكنا من المصفقين لهذا المشروع مع العديد من أصحاب الفكر والقلم والمشورة في هذا الفضاء الواسع، بل وعقدنا لصالحه مؤتمرات وندوات دورية هامة وبرامج عمل جريئة للتأصيل لنوع من الشراكة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وهذا الاتحاد ابتكار مؤسساتي يهدف إلى خلق آلية شاملة، موسعة ومرنة بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط. فهو يضم مجموع دول المنطقة الأورو - متوسطية أي 27 دولة من الاتحاد الأوروبي و16 دولة من الضفة الجنوبية والشرقية، بما في ذلك الدول التي لا تمثل جزءا من عملية برشلونة (البوسنة والهرسك، الجبل الأسود وموناكو). أما ليبيا، وهي الدولة الوحيدة التي لم تكن عضوا في الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، فهي حاضرة (منذ بداية 2013) كمراقب، وتشارك في اجتماعات الموظفين الساميين.
على المستوى الاقتصادي، بقي الاندماج الإقليمي ضعيفا مقارنة مع دول أخرى في العالم مثل منظمة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN 22 في المائة) أو السوق المشتركة للجنوب (MERCOSUR 20 في المائة). كما لا تزال العلاقات الاقتصادية البين إقليمية ضعيفة جدًا، حيث لا تمثل التجارة بين دول المغرب العربي إلا 3.5 في المائة من مجموع المبادلات التجارية. أما في الشرق الأوسط، فالمبادلات التجارية بين الدول الجارة ضعيفة أيضا حيث لا تمثل إلا 6 في المائة من المبادلات التجارية. ففي مجموع هذه الدول، تتم التجارة في مجملها في الفضاء الاقتصادي الأوروبي الذي يستقبل أكثر من 60 في المائة من صادرات دول شمال إفريقيا، مما يؤدي إلى ضعف الاستثمارات في دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بسبب ضيق الأسواق. كما يمكن لنا هنا أن نكتب أن حجم السوق، من المغرب إلى مصر، يعادل روسيا على مستوى الساكنة. لهذا، يعتبر الاندماج الإقليمي هدفا ذا أولوية، فطالبنا مع آخرين بتسريع وتيرة التعاون الاقتصادي.
ولا غرو أنه كان لبناء المنطقة الأورو- متوسطية ومختلف المنظمات ومبادرات التعاون المقترحة منذ أزيد من ثلاثة عقود، ومن أشهرها عملية برشلونة التي خلقت سنة 1995، نتائج متناقضة على مستوى العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وشركائه في الجنوب، إلا أنها محدودة على المستوى السياسي بل وضعيفة على مستوى تعزيز التعاون الإقليمي الذي يعتبر أحد الأهداف المركزية للشراكة الأورو- متوسطية. فالرغبة كانت أكيدة في أن نبني صرحا جديدا انطلاقا من بعض المكتسبات الإيجابية لعملية برشلونة وتجاوز المحبطات السياسية. وهنا المشكل.... لأن القناعة تزداد عندنا يوما بعد يوم أن العوامل السياسية هي عوامل محددة وليست بجانبية. فقد أخطأ استراتيجيو الاتحاد من أجل المتوسط وعلى رأسهم الفرنسيون أنه بإمكانهم وضع المشاكل السياسية في الفضاء المتوسطي جانبا والعمل في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حصريا. وهذا خطأ.
ثم إن دول الشمال غيورة على سيادتها، وكلما أحست بزكام سياسي ولو طفيف في المنطقة الجنوبية إلا وحاولت إغلاق حدودها عن البشر ورؤوس الأموال؛ ونحن نتابع في الأيام الأخيرة الصراع الصعب بين دول الاتحاد الأوروبي حول موضوع استقبال المهاجرين إلى درجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشير في باريس السبت، أنه يؤيد فرض عقوبات مالية على دول الاتحاد الأوروبي الرافضة لاستقبال مهاجرين، داعيا إلى «تضامن أوروبي» في مواجهة أزمة الهجرة. كما أعرب ماكرون عن تأييده تشييد مراكز مغلقة «بموجب شروط مفوضية اللاجئين» فور وصول المهاجرين إلى أوروبا، مع توفير تكافل مالي فوري وسرعة دراسة طلبات اللجوء؛ وصرح ماكرون في تصريح لم يرض العديد من الدول الأوروبية أنه «لم يعد من المقبول أن تكون هناك دول تستفيد إلى حد كبير من التكافل الأوروبي وتشهر أنانيتها القومية عندما يتعلق الأمر بموضوع الهجرة».
فلا غرو إذن أن العامل السياسي عامل محدد في العلاقات بين الكيانات والمجموعات والاتحادات، ولا يمكن فصله إطلاقا عن العوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.