د. محمد عبدالله الخازم
الممارسة الطبية يعدها البعض معقدة، تتجنب القيادات العليا في المؤسسات الكبرى كالجامعات الدخول في تفاصيل قياس كفاءتها، وفي نفس الوقت يتجنب أبناؤها الأعرف بدهاليز نقدها رغم إدراكهم الخلل في بعض جوانبها. العديد من القطاعات يكون هناك نقد من الداخل إلا الصحي وذلك بفعل روح النقابة كما وصفها غازي القصيبي - رحمه الله- التي تميز العاملين في الحقل الطبي. هناك هدر كبير للكفاءات الطبية التي تم تدريبها في أفضل المؤسسات المحلية والعالمية وضعف في كفاءة التشغيل في العديد من مؤسساتنا الصحية رغم سهولة قياس ذلك عبر تحليل إنتاجية العمل العيادي والجراحي للأطباء. وهل هناك هدر أكثر من انتظار الجراح أسبوعين أو أكثر ليجري عملية واحدة أو أن تتكدس مواعيد المرضى بالأشهر بينما عيادات الأطباء مقفلة؟!
مثل ذلك يحدث في جامعة الملك سعود حيث نشرت مدينتها الطبية إحصائيات عام 1438هـ عبر رسومات (انفوجراف) جميلة ولكن عند مقارنتها بعدد أطباء المدينة الطبية نجدها تشير بكل وضوح إلى خلل وقصور في الأداء وغياب للمساءلة الإدارية أو الرقابية. وهنا أمثلة لتلك الإحصائيات بربطها بأعداد الأطباء (الأكاديميين) المنشورة على موقع الجامعة فقط وليس جميع من يعمل بالمستشفيات الجامعية..
* جراحات الأنف والحنجرة بلغت 2106 عملية في العام وعدد الأطباء الاستشاريين بالقسم 18 استشارياً. أي معدل عمليتين تقريباً لكل طبيب في الأسبوع. بعضها لا يتجاوز النصف ساعة..
* جراحات العظام بلغت 1612 في العام وعدد الأطباء الاستشاريين بالقسم 16 استشارياً. أي أقل من عمليتين يجريهما الطبيب في الأسبوع. مع ملاحظة أنني أورد عدد الاستشاريين المنتمين لكلية الطب ولم أذكر المعيدين والمحاضرين والمتدربين وأطباء المستشفى غير الأكاديميين وغيرهم...
ينطبق الأمر على بقية أقسام الجراحة وكذلك على العمل العيادي، فعلى سبيل المثال نجد التالي:
* زيارات عيادات الأطفال بلغت 43283 في العام، ويوجد 41 استشارياً بالقسم. أي أن عدد الزيارات لكل استشاري بلغ نحو 2000 في العام أو 42 في الأسبوع أو 6 زيارات في اليوم، كل زيارة تراوح من 10 - 30 دقيقة. يقارب عدد أطباء القسم مائة طبيب بحساب المعيدين والمتدربين والمساعدين وأطباء المستشفى الذين يسهمون في تغطية زيارات المرضى.
* قسم الجلدية بلغت زياراته السنوية 19560 لعدد 13 استشارياً منتمياً لكلية الطب (بدون الأطقم الطبية الأخرى) أي بمعدل 28 زيارة فقط للاستشاري في الأسبوع الواحد.
المساحة لا تكفي لربط ذلك ببقية العوامل كحجم الميزانية والمباني لإثبات ضعف كفاءة برنامج التشغيل بالجامعة، ولست أريد أن أوجع بقدر ما ألمح وللباحث والإداري والمراقب فحص المعطيات. عدد الزيارات والعمليات يجب أن يكون أضعاف ذلك في مدينة طبية أكاديمية يفترض أن تكون ضمن النخبة بما تملكه من كفاءات بشرية عالية كماً وكيفاً وميزانية وإمكانات إنشائية كبرى.
البلد بحاجة للخدمة الطبية وبعض المؤسسات كجامعة سعود وغيرها من المراكز الأكاديمية تكدس وتهدر الطاقات دون الاستفادة منها. على دكاترة الطب مساعدة إدارة الجامعة بإبراز الخلل، وإلا فسنقترح تكرار تجربة تأجير ملعبهم لأحد الأندية، بتأجير المدينة الطبية لمن هو أقدر على تشغيلها والاستفادة من مكوناتها البشرية والمادية!