لقد أصبح للأبحاث والدراسات التي تنشرها مراكز الأبحاث أو الجامعات دور ريادي ومهم عند الدول المتقدِّمة؛ لأنها تؤدي دوراً مهماً في تطوير الفكر السياسي والاجتماعي والفكري والأمني، فهي أداة مهمة لتزويد أصحاب القرار بالمعلومات اللازمة التي يصبو قادة البلد لتحقيقها وحماية المجتمع من كل ما يهدّد أمنه واستقراره، ولمعرفة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- بدور هذه الأبحاث والدراسات أُنشئ مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع والمختص بمواجهة التطرف والإرهاب وترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة؛ لأنه لا شيء أخطر وأعظم من الانحراف الفكري على الأمن والسلم، والذي يجعل من الدين غطاء ووسيلة إقناع لتحقيق الأهداف الذاتية أو الحزبية، فالأمير الشاب في لقائه مع مجلة التايم الأمريكية شدَّد على أن مكافحة التطرف لا تقتصر فقط على محاربة المتطرفين، ولكنها تشمل التعرّف إلى تلك الجماعات وسنّ قوانين لمحاربتها وتوضيح المعايير التي نميز من خلالها المتطرفين.
وهذا ما قامت به جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرائدة في تحصين الشباب من الأفكار المنحرفة، وعلى رأسها معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أباالخيل في وقت سابق وتحديداً في عام 1434هـ من خلال إنشاء قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة الذي يركِّز على أهم جوانب الأمن وهو الأمن الفكري والكشف عن الممارسات والوسائل المخلّة بالأمن الفكري، كذلك يهتم بدراسة الحركات والجماعات الإسلامية من حيث نشأتها ورموزها وطرقها ووسائلها في استقطاب الشباب والتغرير بهم، كذلك يعنى القسم بتعزيز الوسطية والاعتدال وفقه الخلاف والاختلاف وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة بالقضايا المعاصرة محلياً ودولياً والمتوافقة مع تطلعات ورؤى قادة هذه البلاد حفظهم الله.
إن ما يميز هذا القسم - من خلال مقرراته الأكاديمية التي بلا شك ستنعكس على عناوين بحوث طلبة هذا القسم ورسائلهم- عن غيره من الأقسام الأكاديمية الأخرى أنه لا يركّز على الجانب العلاجي للظاهرة فقط، بل يقوم بالعمل الوقائي قبل العلاجي، فلو أخذنا مثالاً على ظاهرة كظاهرة التكفير تجد أن غالبية الدراسات والأبحاث والمؤلفات تركِّز على المرحلة الأخيرة لهذا الشاب المكفّر دون التطرق إلى المراحل التي سبقت ذلك، أما هذا القسم فيهتم بدراسة الظاهرة سواءً أكانت ظاهرة التكفير أم غيرها من جميع جوانبها وتحليلها والكشف عن كل مؤثّر عليها سواءً بشكل مباشر أم غير مباشر.
كذلك مما يميز هذا القسم أنه يضم خيرة الأكاديميين الذين لهم السبق في تعزيز الأمن الفكري ومحاربة أفكار الجماعات والأحزاب المتطرفة ليس داخل أروقة الجامعة فقط، بل جهودهم وآثارهم وبصماتهم تعدت ذلك؛ لهذا أدعو المراكز المتخصصة في دراسة الأفكار المنحرفة إلى الاستفادة من جهود قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة من خلال بحوثه ورسائله العلمية التي بدأت - ولله الحمد- تشق طريقها بكل عزيمة وإصرار؛ لكي نحقق الهدف المأمول بعد توفيق الله وهو تعزيز الوسطية والاعتدال والقضاء على الأفكار المتطرفة وفضح معاول الهدم الفكرية المؤثّرين على النشء والشباب سواءً كان هذا التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر.