عبدالعزيز السماري
يخفى على الكثير أن درجات الذكاء الاجتماعي بين البشر لا تتفاوت كثيراًَ، وأن مكانة المرء عند الآخرين تحددها درجة مصداقيته في التعامل معهم، ويتجاوز هذا البعد مختلف الأبعاد والدرجات الاجتماعية، فالمصداقية ليس لها علاقة برصيدك المالي أو وضعك الاجتماعي، أو سلطتك أو غيرها، ولكن لها علاقة مباشرة بمستوى رصيدك منها بين الناس..
كثير منا يعمل طوال اليوم دون التفكير بشكل كبير في تأثير ما يقوم به على الآخرين، وذلك لاندفاعنا الكبير تجاه مصالحنا الذاتية، فمن السهل جداً الحصول على رؤية واضحة للمنافع، في حين يختفي الوعي بكيفية تفاعلنا مع الأشخاص من حولنا، والذين نحتاج دوماً إلى دعمهم، ووقوفهم بجانبنا في حياتنا العملية، ولذلك علينا أن نفي بمعايير الآخرين التي يتوقعونها منا، وتلك مسألة تحتاج إلى توضيح قدر المستطاع..
إنها الأشياء الصغيرة التي تبني المصداقية، مثل الالتزام بالمواعيد النهائية، والاستجابة للاتصالات، وإظهار الجودة في منتجات العمل، والوفاء بالعقود، والاهتمام بتوضيح المواقف الملتبسة للآخرين في حالات سوء الفهم، والعمل أيضاً على معرفة التوقعات غير المعلنة لدى الآخرين، والتي قد لا تكون واضحة أمام الجميع، لكنها مهمة جدًا، ولذلك نحتاج إلى أن نكون أكثر فضولاً بشأن اكتشاف المعايير غير المعلنة حتى نعرف ما نُقاس به، وما يمكننا القيام به لتحسين أدائنا العملي والاجتماعي إلى مستويات أفضل...
لهذا السبب على وجه التحديد، تقوم بعض الجهات أو المؤسسات أو الدول بتوظيف الاستفتاءات والدراسات الاجتماعية من أجل فحص مصداقيتها أمام الناس، كذلك يقوم المدير الناجح بعقد الاجتماعات المفتوحة، والاستماع للآراء بكل شفافية من العاملين، ومن ثم محاولة رفع مستويات المصداقية بينه وبين الموظفين في المؤسسة..
في الوقت الذي تبدو فيها أهمية قياس المعايير التي يحملها لنا الآخرون، علينا تقييم مدى التزامنا بالمعايير التي وضعناها نحن لأنفسنا، وذلك من أجل أن نكون موثوقين بدرجة أكثر، ومن أهم هذه الخطوات أن نجيد إدارة «فجوة القول»، أو ذلك الفراغ بين كلماتنا وأفعالنا، وكلما تكون الفجوة صغيرة، نكون أكثر ثباتاً ومصداقية، وعندما تتسع الفجوة نصبح معرضين لخطر إحباط الآخرين وفقدان ثقة التعامل معهم.
كذلك لم يعد النجاح يتحقق بمجهود فردي، ولكن من خلال مهارة العمل مع الآخرين، مما يعني أن سمعتنا ترتبط في الغالب بمدى نجاح أداء المجموعة، ولرفع مستوى الثقة مع المجموعة عليك أن تتعامل معها بوضوح ومصداقية عالية، فهؤلاء سيتصرفون حسب ما تصل إليهم منك من رسائل أو إشارات، سواء كانت إيجابية أو سلبية، وبناء عليها يكون مستوى أدائهم العملي..
غالباً ما تأخذ المصداقية أحياناً نبرة سلبية، في حين أنها في واقع الأمر أمر إيجابي للغاية، ولذلك ينال أفضل القادة مصداقيتهم من خلال شعورهم بها، وهم يتحدثون عن الخطأ الذين ارتكبوه، وكيف يمكنهم تصحيح أو تطبيق الدروس المستفادة من الأخطاء..
عادة تؤدي هذه المساءلة المعلنة إلى إحساس بالعدالة في مكان العمل، فمراجعة القرارات الخاطئة، وتعديلها، ترفع كثيراً من درجات الثقة بالنظام، ولذلك يجب أن تكون جميع الأعمال والقرارات خاضعة للمساءلة، وهو ما سيؤدي إلى رفع مستويات إيمان الأفراد بأهمية التركيز على النتائج، وليس على التناقضات الموجودة داخل المؤسسة، لكن النتيجة المتوقعة والأهم في نهاية الأمر، أنهم يتوقفون عن ترديد التساؤل الأشهر بين الطبقات العاملة: لماذا يجب أن أفعل ذلك عندما يبدو أن أحدًا لا يفعله؟