عمر إبراهيم الرشيد
ليس هناك أفسد لقدرات ومهارات البشر من الغرور أو ادعاء الفوز كحق حصري، وتوهم حتمية النجاح دون توفيق العزيز الحكيم، واستعجال النجاح وقطف الثمر قبل أوان نضجه. كأس العالم هذا الموسم قدم بعض الدروس التي تتعدى المنافسة الرياضية البحتة، فكشف لأبسط المفاهيم والعقول كيف أن الغرور أو ضمان وحتمية التفوق أول مؤشرات الخسارة ومنتخب ألمانيا مثال على ذلك. هذا المستطيل الأخضر كأنه يوجز طريقة عمل مجتمع ما، ونمط تفكير تلك المجموعة وتخطيطها ومدى تماسك أفرادها وتعاونهم لتحقيق أهدافهم، هي منافسة رياضية لكنها في النهاية نشاط بشري عام تحركه عدة عوامل من بينها، العامل الذهني، النفسي، الصحي والثقافي وغيرها من العوامل.
كنت قد كتبت من قبل كما كتب غيري عن قطاعنا الرياضي، وأن المسألة الإدارية والنفسية مع التخطيط بعيد المدى كلها تأتي قبل المهارة الرياضية والفنية وهذا أمر بديهي حين أقوله فمن باب التذكير ولم آت بجديد. وإنجازات هيئة الرياضة الأخيرة وعملها لافت ونوعي في كثير من الجوانب، وليس هناك جهد بشري منذ هبوط آدم عليه السلام من الجنة يمكن أن يوصف بالكامل فلا بد من السلبيات مقابل الإيجابيات، والعماد بعد الله على العمل الجماعي وتقديم النصح والنقد نشداً للصالح العام لا قصداً للتجريح وتصيد الهفوات. والمتتبع لرحلة المنتخب الوطني عبر محطاته الثلاث يلحظ تصاعد المستوى تدريجياً، مما يعطي درساً بأن النجاح حق للجميع شرط العمل له مع احترام الخصم أيا كان حاله، وأننا بشيء من التخطيط وعدم استعجال النتائج، والصبر والاستقرار على جهاز فني وإداري معتبر هي الوسائل الكفيلة بعد توفيق العزيز الحكيم بمنحنا ظهوراً مشرفاً في مسابقة كهذه، لا يقتصر أثرها على النطاق الرياضي فحسب، وإنما يتعداه إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية إلى جانب إظهار الجانب الحضاري للمملكة، وهذا كما قلت يتبين للشعوب من خلال إنجاز رياضي يقف خلفه عمل دؤوب. ولا بد من التذكير كما قلت هنا من قبل في أكثر من مناسبة، بأن لدينا كوادر وطنية أثبتت جدارتها وأنها بحاجة إلى منحها الثقة والصبر حتى تعمل. وللتذكير كذلك، فإن أول كأس حصل عليها المنتخب السعودي آسيوياً كانت مع خليل الزياني كمدرب وطني، وأن المنتخب الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة الذي أذهل الجمهور الأسترالي والعالمي وحقق كأس العالم ثلاث مرات كان أيضاً تحت قيادة المدرب الوطني الدكتور عبدالعزيز الخالد. ولا أقول هذا انتقاصاً من المدرب والجهاز الحالي لأنني تحدثت عن تصاعد مستوى المنتخب، لذا أعيد بأن الاستقرار الفني والإداري هو ما يصنع الفارق.
ثم أن هناك دروساً عدة يمكن استخلاصها من كأس العالم، وهو أن الرياضة عامل تقريب بين الشعوب وفرصة للمنتخبات ومنها منتخبنا الوطني للتعريف بالوطن وثقافته وحضارته، وأن الجمهور إنما هم سفراء لبلادهم باحترام قيمهم وحضارتهم وبمراعاة قوانين الدولة المستضيفة، مراعين أن التعصب الرياضي من علامات الجهل وسطحية التفكير. الشعوب تميل إلى التعميم وقد يحكم البعض على مجتمع كامل بتصرف أحد أفراده، فلا أجمل ولا أرقى من التزام الأدب هنا وفي الغربة الأمر أعظم، ولا أجمل من تعامل الشعوب بإنسانية ورقي فذلك من أسمى أهداف الرياضة بأنواعها، طابت أوقاتكم.