عبده الأسمري
من جيل العتاولة ومن رعيل الأفذاذ. كان الميدان همته والأمن همه والأمان مهمته. نازل المداهمات واستنزل القضايا فكان المباشر والمحقق والمخطط والقائد وقاهر مروجي المخدرات وماهر حملات الضبط وساهر غرف العمليات.. استخلص»العبر» فوثقها كذكريات للاعتبار.. واقتنص «التجارب» فخطها كمذكرات للاقتدار..
أنه مدير عام مكافحة المخدرات السابق ورئيس اللجنة الأمنية بمجلس الشورى الأسبق الضابط الفذ اللواء جميل الميمان -رحمه الله- أحد أبرز رجالات الدولة وقيادات الداخلية.
بوجه دائري مهيب مسكون بالمشيب ومحيا وقور نبيل وبزة عسكرية مطرزة بالأوسمة والنياشين ترتكز على قوام أمني أنيق أثناء الخدمة العسكرية وأناقة عامرة بالزي الرسمي أثناء الحقبة الشورية وصوت تتهادى منه مفردات أمنية عميقة مترابطة مع بيان قول واستبيان فعل أمضى الميمان أكثر من أربعة عقود في معترك العمل العسكري والمدني مسجلاً بطولات ميدانية وإنجازات أمنية ونجاحات إنسانية مخلفًا أرثًا في التخطيط وميراثًا في الكفاح على طاولات القرار وفي منصات الشرف ووسط نتائج المهمات.
في الطائف ولد الميمان موجهًا إنصاته الأول إلى نداءات الانضباط في ميادين التدريب بشارع الجيش منجذبًا إلى هيئات «الضباط « قرب القصور الملكية.. نشأ في أسرة أشبعته «نصحًا» وأمتعته «توجيها» فسكب أحلامه بمداد المستقبل وسبك أمنياته بعتاد أب وسداد أم علماه خطوات الثبات وحظوات الإثبات.. ثم انتقل إلى مكة فتشربت نفسه نسائم الطهر وتعتقت روحه بنسمات الفضيلة فتربي وسط إشعاعات «النور» في الحرم المكي فارتكن إلى دعوات التهجد وارتهن إلى ومضات القيام فامتلأ قلبه بالسكينة واكتظ عقلة بالروحانية فتشكلت في شخصيته معاني التفاني ومنابع الوقار.
سيرة حافلة بالانضباط في ملفات الضبط الأمني وسجلات التحقيق الجنائي حيث تخرج الميمان ملازمًا من مدرسة الشرطة بمكة المكرمة عام 1374هـ وعانق التميز في محافل أمنية حيث ترأس إدارتي التحقيقات والحقوق المدنية ومعظم أقسام الشرطة بمكة لمدة عشر سنوات، ثم عُين مساعداً لمدير شرطة الأحساء فمديراً لشرطة الدمام ثم مديراً للمباحث العامة بالمدينة المنورة فمديراً لإدارة الضبط الجنائي بالأمن العام ثم مديراً عاماً لإدارة العامة لمكافحة المخدرات وقائداً لقوات أمن الحج لسنوات
توجت القيادة شخصية الميمان الفذة بوسام التقدير العسكري من الدرجة الأولى ووسامي الملك عبدالعزيز والملك فيصل. وتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى عام 1414 ورئيساً للجنة الشؤون الأمنية.
وتولى منصب مدير عام المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف وممثلاً لرابطة العالم الإسلامي لدى الأمم المتحدة. وأشرف على مركز الملك فيصل الثقافي الإسلامي في مدينة بازال السويسرية. وترأس مجلس إدارة الأندية الثقافية الإسلامية الرياضية بجنيف.
تلقى دورات أمنية عدة بالخارج، وحاضر في كليات عدة، وألَّف عدداً من الكتب في مجال العمل الأمني ومكافحة المخدرات، وترك الميمان ثروة كبرى في كتابه الموزع في ثلاثة أجزاء ذكريات ومذكرات الذي وضعه للتوزيع المجاني كوقف لله تعالى والذي يمثل منهجًا ومنهاجًا في العمل الأمني ودروساً مستوحاة من تجربة عريضة في قطاعات الأمن العام ومكافحة المخدرات والشورى والأعمال الأخرى.
عقود طويلة كان فيها الميمان الخبير الذي أسقط المروجين وأيقظ الحس الأمني وهشَّم رؤوس التخريب وهمَّش خطط الفوضى، فكان رائدًا لمكافحة المخدرات وقائدًا قهر خفافيش الظلام وجهر بردع بائعي السموم، فكان درع المداهمة ورعد المهاجمة والبطل الذي أبطل مفعول التهريب والترويج في جنبات الوطن، فكان السفير المحتفى بإرثه في سجلات الشرف المقتفى لأثره في محافل الفخر..
اقتبس من اسمه جمال الخلق وامتثال العون وجمالية المواقف ومثالية الإعانة، فكان ضابطًا مغوارًا صباحًا ومديرًا فنيًا لتوزيع خطط الأمن نهارًا وقناص ليلي، أحبط مخططات تجار المخدرات وأعطب خططهم وبين هذه المهام ظل المستكين في مساحته المفضلة الممتلئة بالخشوع في جامع حيه «المحمدية» بالرياض ليوزع أدوار «الخير « وينفذ طلبات الغوث مفرحًا للمساكين ومعينًا للمحتاجين، فكان يمتطي صهوة وطنيته في عمله وركاب إنسانيته في حياته بعيدًا عن الفلاشات.. فظل فاعل الخير الملتحف بالسر العطوف بالفقراء الشغوف بالحسنى، فكان صديق الصائمين ورفيق القائمين وملجأ المكروبين في منظومة خيرية أشبعها «فضلاً» «ونبلاً «حتى ظل مكاناً «غامراً» وأثره عامراً بدعوات المسكونين بآثار أفعاله المسجوعين بمزايا صنائعه.
توفي الميمان عام 1427 ونعاه «الوطن» وفقدته «الأماكن» وافتقدته «القلوب»، غادر جسدًا وبقت ذكراه في لائحة الأوفياء ولوحة الأنقياء، واستظلت سيرته بأفياء أخلاقه وتوشحت مسيرته بنماء فكره.. عاش نظيف اليد شفيف التعامل لطيف المعشر فكان رجل دولة وعقل مرحلة ووجه عطاء وواجهة احتفاء.