د. جاسر الحربش
تتحقق بقيادة المرأة السعودية للسيارة عدة مصالح، منها دعم الاقتصاد الوطني حسب كفاءتها واجتهادها، ودعم الاقتصاد المنزلي لصالح التماسك العائلي وتغطية حاجات الأطفال، ومنها تسهيل الوصول إلى المؤسسات الصحية للتعامل مع العلل والإصابات المفاجئة وخصوصاً في ساعات الليل، ومنها التخلص من تحكم السائق الأجنبي وما قد يشكله جنوحه الأخلاقي من خطر على المراهقين والأطفال وحتى على الأم، وقد يكون أهمها حرية الحركة للطرفين الأب والأم للتعامل مع كل ما ذكر أعلاه. هذه الإيجابيات لا يستطيع إنكارها أحد مهما حاجج بتسهيل الجنوح الأخلاقي وخراب البيوت للمرأة السائقة، مثلما سهلت قبل ذلك للرجل زواج المسيار والمسفار وهما حسب اعتقادي جنوح اجتماعي وأخلاقي.
الأصل في التماسك الأخلاقي أنه ذاتي تربوي شخصي، أما الرقابة المحكمة والخوف من الانكشاف والالتزام الديني والاجتماعي كسمة ظاهرية، فتلك أمور من المتخيلات القيمية لا يمكن التحقق من تطبيقها بطرق إحصائية علمية وتوجب الستر بالاتفاق.
أخيراً إذاً حصلت المرأة السعودية على حق قد تحقق لنساء العالم منذ بداية استعمال السيارة بدون احتقانات اجتماعية وفتاوى شرعية. المهم الآن ألا تستعمل المرأة سيارتها بنفس السفاهة التي اختبرتها كمنقولة مع سائق أجنبي منحرف أو سائق سعودي مغرور برجولته أو قوة مركبته. من المؤسف أن من يتتبع مسيرة المرأة العالمية في التحديث مع التبذير والفشخرة الاجتماعية والفهم الخاطئ لمعاني الحريات الشخصية سوف يكتشف ما يشبه حذو القذة بالقذة في تقليد المرأة للرجل في كل تصرف خاطئ يسبقها إليه حتى في الممارسات الصحية الممجوجة مثل التدخين والسهر والدردشات الإلكترونية في الهزيع الأخير من الليل حيث لا يسهر سوى أصحاب النفسيات المغشوشة.
توجد بالتأكيد نسبة وتناسب بين طرق استعمال المنجزات الحضارية التقنية والمستوى العلمي والثقافي والتربوي للمجتمع وأظن هذا التناسب يرجح الاستنتاج أننا لم نصل بعد إلى المستوى المطمئن عند الطرف الذكوري الذي كانت له أولوية حرية الاستعمال والتصرف. نحن تعودنا وعظياً على وضع المرأة في مركز المسؤولية الأولى عن الفضيلة والاستقامة الاجتماعية، متجاهلين عمداً أن الرجل كان دائماً من بيده مقبض الباب الاجتماعي، سواء للفضيلة أو الرذيلة. لا يمكن لمجتمع على وجه الأرض أن يتغاضى عن انحراف الرجل ويتوقع سلامة المرأة من العدوى.
أما لماذا لم تحذر سلطاتنا الأمنية السائقات بمثلما حذرت السائقين من التعديات المعنوية والجسدية، فذلك لأنها تفترض في المرأة حرصاً أكثر على سلامتها الاجتماعية والجسدية، وفي ذلك دلالة فخمة ضخمة على مقدار الثقة التي بدأت المرأة تحصل عليها بخطوات متسارعة. بناءً على هذه الثقة يجب أن تبرهن المرأة السعودية أنها تستحق ما وصلت إليه بعد المعاناة الطويلة والشاقة، وهي سوف تبرهن على ذلك.
أكرر العنوان، مبروك رخصة القيادة لكن هاه!، فكل شيء قابل للتعديل وإعادة النظر إذا ثبت خروجه عن الأهداف المرجوة، بما في ذلك المغالاة القمعية في مظاهر التدين التي عانى منها المجتمع ردحاً طويلاً من الزمن.