مها محمد الشريف
من المؤكّد أن فاعلية الإنسان الإبداعية طاقة متجدِّدة ونتائجها تولد من رحم الظروف المحيطة به وتنشأ حركتها الأولى في أحضان المهد البيئي الاجتماعي، وتحدد نوعية الأعمال التي يؤديها ملامح وتفاصيل تلك الفاعلية، واليوم سأعرض لكم جزءاً مختصراً من أعمال «جوزيف برودون» الذي استهل أطروحته بالتساؤل قائلاً: (لو توجهنا بسؤال إلى موظف بالإدارة أو ممرضة في المستشفى، أو كاتب في صحيفة، أو عامل بالمصنع، وسألنا كل واحد من هؤلاء عمّا ينقصه لكي يكون مطمئناً في عمله ويقوم بواجباته المهنية، لأجابنا بدون تردد: إن الكل ينتظر مني أن أقوم بواجباتي ولكن أين حقوقي..؟).
إن محور حياتنا يرتكز بكامله على طبيعة الحياة العملية وتحمل المسؤولية، ومن الصعب جداً ألا يتفق المرء مع أهمية الواجب واحترام الحق والعدالة والإنصاف، وحقوق الآخرين، والحرص على الوفاء وإدراكه لانفعالاته ونجاحاته، واكتشاف الصعوبات والمفارقات التي تولّدها الظروف من مكتسبات ومعارف ومواقف لها تأثير على العطاء ومفهوم الإبداع.
من هنا لا بد أن تكون القيمة مساوية للعطاء لكي تستحق أن تستمر، من فرد يعي أفعاله ويتكلم بلسان الجماعة ويتساءل من قلب الواقع، لماذا أتقاضى أجراً زهيداً على عمل يكلّفني الكثير من الجهد الفكري والجسدي والثقافي ومكوناته من علم وتقنية ومجتمع وأدوات لغوية ومنطقية؟
وهل يجدر بي تقديم مفهوم الحق على صفحات الصحف للناس وأنا لا أشعره بحجة تدهور حال الصحف ونقص المردود المادي؟ وكيف انعكس التدهور وشح الموارد، فنقول لو أخذنا بمنهج هذه التساؤلات كما قال «برودون»، (وسألنا صحافياً في جريدة عمّا هي غاية مهمته، لأخبرنا بثقة كبيرة أنه يدافع عن حق المواطن في التعبير عن الرأي والوصول إلى الخبر، وإلى الكشف عن الحقيقة، وتسليط الضوء على أغلب مجالات التفاعل والحراك السياسي وما تقدّمه النقابة العمالية التي تدافع عن حق العامل في الأجر العادل).
فمثلاً لو قيل للناس: إن هناك حقاً طبيعياً وحقاً موضعياً، الأول يطابق حقيقة الإنسان، والثاني مجموعة من القوانين يحددها واقع الزمان والمكان، ثم اعتبر الجميع أن الحق والمساواة وقانون العمل والعمال من أولويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولكنهم أسقطوا بنداً مهماً منها.
يعكس صوراً ضبابية لدى الفرد العامل، وبذلك يكون قد وجد خللاً كبيراً في المجتمعات على خارطة الإنجاز، وسجلت الإحصاءات نسباً متدنية من المنفعة وسعراً غير عادل لا يساوي ولا يكافئ الطرف الآخر أو المساواة في الأجور لمهنة واحدة، وفي الصحافة المحلية يتحمّل الأفراد الخسارة أكثر من المؤسسات.
ولا ينال الفرد فرصاً سانحة تؤهله للنجومية، بل يهزمه العامل الذاتي والمادي ويضعف عزيمته، ثم يعقد آمالاً متأرجحة بين التفسير والتنبؤ والحاجة، ويفشل في إيجاد عمل ملائم لقدراته ومناسب لمؤهلاته، فالبحث عن بعض أنماط الحياة يستدعي مضامين مهيمنة يترتب عليها دور كبير لكي تحافظ على المؤسسات الصحفية من الانهيار وضمان حقوق العاملين بها من موظفين وكتاب.