د.محمد بن عبدالرحمن البشر
العملة الإيرانية مشكلة قديمة ازدادت سوءاً على الشعب الإيراني في الفترة الأخيرة، ومن المؤكد طبقاً للمعطيات الحالية أن سوئها سوف يزداد تباعاً، فمشكلتها ليس في تدهورها وحسب، وإنما في تسارع ذلك التدهور، وصعوبة وربما استحالة إيجاد السبل الكفيلة بإيقاف تدهورها، أو على أقل تقدير الحد من تسارع ذلك التدهور.
العملة الإيرانية بلغت ثمانين ألف ريال في السوق السوداء الإيراني مقابل الدولار، وربما انخفضت أكثر وأنا أكتب هذا المقال، رغم أن الحكومة الإيرانية قد حددت سعر الصرف بنحو اثنين وأربعين ألف ريال مقابل الدولار، وبسبب الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء أصبح هناك انتشار واسع للصرافين غير النظاميين، ولهذا فقد خلا البنك المركزي، والبنوك الرسمية الإيرانية من الكمية الكافية من العملات الصعبة، مع حاجة إيران إلى الاستيراد، وعدم قدرتها على تنويع الاقتصاد، والاعتماد على موارد النفط فقط، وهو المورد غير الكافي لتوفير العملة المطلوبة لاستيراد البضائع اللازمة للمأكل والمشرب، والمأوى، إضافة الحاجة إلى قطع الغيار، والمواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع القديمة والمحدودة.
الحقيقة أن مقدار التبادل التجاري بين إيران والدول الأخرى يقل ويرتفع طبقاً للمعطيات السياسية، وإيران كما يعلم الجميع لديها مشكلات لا تعد ولا تحصى مع دول كثيرة في العالم، وعلى رأسها مشكلاتها وتدخلها السافر في شؤون دول الجوار، ومحاولة تصدير الثورة والايدلوجيا المصاحبة لها.
العملة الإيرانية ستواجه أزمة كبيرة، فالمقاطعة الأمريكية سينفذ المزيد منها قريباً، والجانب الأوروبي لم يعط جواباً واضحاً على الضمانات التي طلبتها إيران للاستمرار في الاتفاق النووي، والشعب الإيراني أصبح يعيش في حالة عدم التأكد كما يسميه المصطلح الاقتصادي، وهذا يدفع المواطن الإيراني على التخلص من عملته والاتجاه إلى الملاذات الآمنة من العملات الأخرى الصعبة، والذهب، إضافة إلى أمله في أن يبيع العملة الصعبة التي لديه بسعر أعلى فيما بعد ليقينه أن العملة الإيرانية سوف تسجل مزيداً من التدهور ولا يلوح في الأفق بارقة أمل في التحول إلى الصعود مرة أخرى حتى ولو لمدة أشهر.
والدول التي تقوم بالتبادل التجاري مع إيران لا يمكنها القبول بالعملة الإيرانية، أو التبادل المزدوج بين دولة أخرى، أو دول أخرى، لقناعة الدول أن العملة الإيرانية لا تعني شيئاً في الأسواق العالمية، ولهذا كان لزاماً على إيران الدفع بالعملات الصعبة غير الموجودة في البنوك التجارية الرسمية، وإن كان هناك كمية من العملات الصعبة في أيدي الناس والصرافين غير الرسميين، فإن الحكومة لا تستطيع الحصول عليها، لتقع في حوزتها.
الحكومة الإيرانية مضطرة أن تطبع كميات كبيرة من العملة المحلية، لتغطية نفقاتها، من رواتب وخلافها، لكن تلك المطبوعات الورقية النقدية، غير المغطاة بالعملات الأخرى أو الذهب، سوف لا يكون لها قيمة شرائية تذكر في سوق يزيد فيه التضخم يومياً.
كل هذه الأوضاع تجعل القوة الشرائية للمواطن الإيراني ضعيفة جداً، مما يعسر عليه قوت يومه، ودفع فواتير متطلباته الأساسية البسيطة. والمشكلة الأكبر فقدان الأمل لدى المواطن الإيراني في تغيير قريب يحقق له شيئاً من التنفس الاقتصادي، ولو لفترة وجيزة، مع علمه أن الحكومة قادرة على تغيير وضعه إلى وضع أفضل، باتخاذ خطوات سياسة، وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، والكف عن الاستمرار في تصدير ثورتها وأيدلوجياتها، ووقف استنزاف العملة الصعبة المتوافرة لديها في تمويل منظمات وميليشيات منتشرة هنا وهناك، كما هي الحال في اليمن ولبنان وسوريا.
الإيرانيون لديهم صبر كبير، لكن ذلك الصبر، لن يدوم طويلاً، فلقمة العيش باتت عسيرة، وهناك أكثر من ثمانين مليون فرد يحتاجون إلى الكثير من الخدمات كسائر الشعوب وليس إلى لقمة العيش فحسب.