د. خيرية السقاف
ما أحلاهم, وما أحلى أحلاها بهم, حياة البسطاء الراضين, الأتقياء, الأنقياء الطيبين, الذين يستيقظون بالحمد, وينامون بالرضا في سكينة القناعة, وهيمنة الاطمئنان, عامرة قلوبهم بالذكر, متكلة نفوسهم على الرب, لا يتطلعون إلا لرضاه, وملاقاته خالين الوفاض من حق للجار, أو قصور في الرحم, أو طمع فيما عند غيرهم, أو لهاث وراء دنيا, همهم الأول نظافة ألسنتهم, وطيب عشرتهم, والوفاء لأدوارهم, الفلاح في حقله, والصانع في منجرته, والحِرَفيّ في ورشته, والعامل في مَهمته, والخادم في واجبه, والمرأة في دورها, كلهم في عمار داره, وجِواره, ينفضون كفوفهم عن بقايا حنطة الرغيف «الحاف» وإن جفَّ, والقليل وإن كفَّ بلا تذمر, ولا تطلع, لا تحمل قلوبهم غشا لأحد, ولا تسطو أيديهم على ما ليس لهم, ولا تصغي آذانهم لدبيب راجل, ولا لحفيف عابر, ولا تمتد أنظارهم لمستور, ليس لهم أطماع تقتحم بابًا, وليس لهم نوايا تختلس من شق في سور, يقينهم صلب, وأبنيتهم قائمة لا تنقض فيهم جذوع, ولا تمرض فيهم جذور..
هم القلة التي تتناثر فوق الأرض, لا تعبأ بأزيز طائرة, ولا تضعف لشياطين فضاء, لا تخالجها مغريات, ولا تسحقها دوامات, ليسوا بؤساء فلا تحزنهم نظرات الحزن التي ترشقهم, ولا ضعفاء فتؤلمهم شزرات المستصغرين لهم, هم ليسوا متخلفين عن الناس, هم الباقون على الفطرة, الذين لم تلحق بهم مجرفة الدنيا, ولم يقعوا في طميها..
هؤلاء باقون في المخيلة حلما جميلا للحياة الأحلى..
للحياة المحتملة..
كلما مرَّوا بشريط الذهن, زفرت الصدور حسراتها!..