محمد آل الشيخ
أثبتت التجارب الحياتية في العصر الحديث أن (الدولة المدنية) هي النموذج الأفضل والأمثل القادر على تحقيق الأمن والاستقرار، والرفاه الاجتماعي المنشود للشعوب. فكل دول العالم بلا استثناء إما دول مدنية محضة، أو دول عسكرية، يحكمها العسكر، وهناك دولتان فقط، يتربع على عرش السلطة فيها (رجل دين) وهما الفاتيكان وجمهورية الملالي في إيران، دولة الفاتيكان دولة شكلية، لا جيش لها ولا سلطة، وتقع (كتكوين) اعتباري محض داخل الجمهورية الإيطالية. الدولة العسكرية هي في الغالب دولة فاشلة، على المدى المتوسط أو البعيد، سأتحدث عنها في مقال لاحق.
أما دولة الملالي في إيران فهي دولة دينية كهنوتية محضة، على النمط الذي كان منتشرا ثم اندثر في أوربا، وهي ما سأتطرق إليه في هذه العجالة.
دولة الملالي في إيران تواجه هذه الأيام تحديات حقيقية، من شأنها كما تقول كل المؤشرات أن تسقطها حتما؛ فالدول الدينية الكهنوتية لا يهمها إلا انتشار أيديولوجيتها أولا، والتضحية لتحقيق هذا الهدف بالإنسان والمال والاقتصاد وتوفير الخدمات، تماما كما هو النمط السائد في طهران، وعادة ما تفرز هذه الدول انتهازيين، يرفعون ذات الشعارات، ولكنهم يعملون على اقتناص الفرص للإثراء غير المشروع تماما كما هي الأخبار الواردة إلينا من إيران. أضف إلى ذلك أن الدول الكهنوتية وكذلك الحركات الكهنوتية السياسية تؤمن إيمانا عميقا بالقوة والقمع والضرب بيد من حديد على كل من خالفها أو عارضها أو تمرد عليها، فإراقة الدماء -مثلا- من أهم وسائلها في فرض آرائها، وغالبا ما تنتهي الانتفاضات والثورات على الدول الكهنوتية بالحروب الأهلية، التي يكتنفها (الذبح المقدس)، حيث يُبرر منظروها لاتباعها القتل والإمعان فيه، لأن هدفهم الذي يعتبرونه مقدسا لا يمس هو (نصرة الأيديولوجيا) مهما كانت التبعات. والشعوب -كما علمنا التاريخ- قد تذعن للقمع، وتتحمل الاضطهاد، لكنها لا يمكن أن تستمر خانعة إلى الأبد؛ لذلك فإن دولة الملالي في إيران تمر الآن بأزمة اقتصادية خانقة، وهي لا تملك الوسائل العملية التي قد تجعلها لو أرادت قادرة على التماهي مع طلبات الثوار والمتظاهرين، إضافة إلى أن متطلبات الأهداف التي أوصى بها الخميني -(زعيمها المقدس)- قبل وفاته، والمتعلقة بتصدير الثورة، والتوسع عن طريق الغزو وتجنيد الأتباع، وفرض المذهب الشيعي بقوة السلاح، تحتاج هي الأخرى إلى موارد مالية ضخمة، لن يكون في مقدورها توفيرها في ظل العقوبات الأمريكية المحكمة التي تفرضها عليها أمريكا، الأمر الذي يجعل هذا النظام الكهنوتي في مأزق كارثي حقيقي، فلا هي تستطيع تلبية مطالبات شعوبها في الداخل، ولا هي تستطيع تلبية متطلبات الخارج التي تتزايد نفقاته بشكل كبير يوما بعد يوم.
وفي تقديري أن سقوط دولة الولي الفقيه الدينية، سيتبعها حتما سقوط كل حركات ومنظمات الإسلام السياسي ليست الشيعية كحزب الله اللبناني والحركات الإسلامية الشيعية في العراق فحسب، وإنما سيشمل هذا السقوط حركات الإسلام السياسي السني أيضا؛ وبسقوط كل هذه الحركات فإن الإرهاب سيتشرنق ويضعف وينصرف الناس عنه ليصبح قطعا جزءًا من تاريخ مضى وانتهى، كما حصل لحركات الخوارج التي عرفها التاريخ الإسلامي.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن تجربة إيران الإسلامية الفاشلة، التي هي على وشك السقوط والتلاشي، إضافة إلى ما تمخض عما سماه البعض (الربيع العربي)، وفشل تلك الثورات المتأسلمة فشلا ذريعا، يثبت أن الحل الذي لا مناص عنه هو تجربة الدولة المدنية.
إلى اللقاء