د. محمد عبدالله العوين
كان موقفاً محرجاً حقاً أمام الأستاذ الكبير عبد الله بن خميس؛ فبعد أن انتهيت من تسجيل لقاء معه للتلفزيون استمر نصف ساعة بكاميرا واحدة طلب مني المخرج ألا أبرح مكاني وأعيد الأسئلة التي وجهتها للضيف مرة أخرى!
قلت للمخرج العظيم الذي رضي أن يخرج بكاميرا واحدة ترصد صوت وملامح وانفعالات متحدثين اثنين: لا أستطيع!
قال: كيف لا تستطيع؟! أعد ما وجهته إلى الشيخ من أسئلة مرة ثانية.
قلت: لا أتذكر أسئلتي، وليس أمامي أسئلة مكتوبة كما تعلم؛ فأنا أتحدث من وحي حضور الضيف ودوافع إجاباته لتشقيق تساؤلات وليدة طارئة!
قال: كيف نخرج اللقاء بوجه ابن خميس ووجهك غائب وصوتك حاضر!
قلت: افعلها، ولير الناس خيبة المحطة وضعفها الفني.
وفي نهاية حوار عقيم مع المخرج العظيم وحرصاً مني على ألا نخسر لقاء أستاذنا الكبير عبد الله بن خميس اضطررت إلى التمثيل! تمثيل أنني الآن أحاوره وأوجه له السؤال أو أقاطعه أو أتمتم بنعم أو أطلب مزيداً من الإيضاح ثم أشكره في نهاية اللقاء!
وبعد انتهاء هذا الفصل الفني الخائب طلب الشيخ لنا القهوة، ولكن المخرج العظيم لملم كاميرته مع مساعده الهمام ورحلا.
وعلى أقداح قهوة درعاوية مبهرة بالهيل ومعطرة بالزعفران في مكتبته الثرية دار حديث خاص ممتع كنت أتمنى أن يكون هو الذي يبث ويراه الناس لا ذاك الذي بث بأداء تمثيلي سقيم.
تحدث لي ابن خميس عن تجربته الرائدة في إصدار مجلة الجزيرة الشهرية التي صدر عددها الأول في ذي القعدة 1379هـ أبريل 1960م واتخذ مقراً لها دكاناً صغيراً في شارع السويلم قريباً من منزله القديم في شارع الخزان، واستمرت فترة لم تطل انتقل بعدها مكتبها إلى مقر جديد في ساحة الصفاة بوسط الرياض، واختطت المجلة خطاً وطنياً مرتفع الصوت؛ وعكس المقال الشهري لابن خميس روحها ونبضها المتطلع للنهضة مع حرص شديد على الحفاظ على الهوية الدينية والعربية، ومن ذلك مثلاً مقالته الشهيرة: لا نريدها صحافة مخدع! وقال: إنني كنت أتواصل بنفسي مع من أجد فيهم المقدرة على الكتابة وأحثهم على الإسهام في إثراء المجلة بما يفيد شعراً ومقالة، وفتحت المجال للشباب ليتولوا دفة تحرير المجلة فأسهم معي عدد منهم كعبد العزيز المنيعي وعبد الرحمن بن معمر وعلي العمير ومحمد الحمدان وإبراهيم السيف وغيرهم.
يقول: ولم يمض على صدور المجلة إلا ما يقرب من أربع سنوات حتى طلب من رؤساء التحرير الحضور إلى فندق اليمامة بطريق المطار القديم ليتحدث إلينا الملك فيصل عن نظام جديد مستحدث لتنظيم الصحافة، وبعد ذلك الاجتماع المهيب صدر نظام المؤسسات الصحافية بتاريخ 24 شعبان 1383هـ وألغى مسؤولية الأفراد؛ فاجتمعت بالعاملين والمتعاونين معي في تحرير المجلة في بيتي الجديد بشارع جرير بالملز وعزمنا على التوقف عن إصدار المجلة الشهرية وتكوين مؤسسة صحافية تصدر عنها صحيفة يومية بالاسم نفسه «الجزيرة»... يتبع