د.عبد الرحمن الحبيب
ثمار الإصلاحات الاقتصادية في أي بلد لا تجنى عاجلاً بل على المدى المتوسط والبعيد، ففي البداية لا بد من بعض الألم أو الارتدادات العكسية، فضلاً عن التحديات الطبيعية التي تواجه تنفيذ عمليات الإصلاح والتكيف معها. إنما، كثيراً ما يوجه الناس النقد لهذه الإصلاحات وليس إلى تراكم التشوهات السابقة، بينما بداية الإصلاحات تمثل ألم العلاج وليس ألم المرض.
ورغم بطء تعافي أي اقتصاد أثناء عملية الإصلاح، إلا أن اقتصادنا الوطني أظهر سرعة إيجابية في ذلك، حيث زاد الناتج المحلي الإجمالي بمعدل نمو حقيقي بنسبة 1.2 في المائة في الربع الأول لعام 2018 مقارنة مع نفس الفترة للعام الماضي؛ من حوالي 640 مليار ريال سعودي إلى 648 مليار من قيمة الأسعار الثابتة.
يقصد بالنمو الاقتصادي الحقيقي (أو الأسعار الثابتة) أي بعد حساب نسبة التضخم، فمثلاً إذا زاد الدخل 5 في المائة في فترة زمنية معينة، لكن التضخم زاد أيضا 5 في المائة، فإن الدخل الحقيقي لم يتغير.
هذه البشائر تمثل أول توسع في خمسة أرباع، مما يشير إلى تعافي الاقتصاد الوطني بعد تباطئه خلال عام 2017، فنمو الناتج المحلي الإجمالي أتى بعد أربعة أرباع من الانكماش مما يعني الخروج من الآثار الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط، والتكيف مع الإصلاحات الهيكلية الجارية ضمن رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني.
وتعود سرعة التعافي للاقتصاد الوطني إلى انتعاش أسعار النفط وزيادة الدعم الحكومي لخطط التحفيز، فحسب تقرير بلومبيرج الأسبوع الماضي فإن الانتعاش سيحقق زخماً خلال بقية هذا العام مع تأثير خطط التحفيز الحكومية.
تأتي هذه النتائج الإيجابية وفقا للبيانات الصادرة الأسبوع الماضي من نشرة مؤشرات الحسابات القومية للهيئة العامة للإحصاء الذي تضمن الربع الأول من 2018 مقارنة بنفس الفترة مع عام 2017 بتقرير مفصل شمل المؤشرات الاقتصادية من إجمالي الإنتاج والاستهلاك والخدمات والإنفاق والإعانات والاستيراد والتصدير.. الخ.
وتستعرض النشرة مكونات الناتج المحلي الإجمالي، حيث نما بمعدل نمو حقيقي بنسبة 2.7 في المائة للقطاع الحكومي و1.1 في المائة للقطاع الخاص. كذلك نما الاقتصاد غير النفطي 1.6 في المائة في الربع الأول مقارنة مع 1.3 في المائة خلال الربع الرابع لعام 2017، بينما نما القطاع النفطي بمعدل 0.6 في المائة مقارنة بانكماش 4.3 في المائة في الربع السابق.
وحسب المؤشرات فإن معظم النمو جاء نتيجة التحسن في نشاطي الصناعة والتعدين غير النفطيين، والذي يتوقع لهما قيادة النمو المستقبلي وفق توجهات رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد الوطني.
كذلك ساهم نشاط الخدمات الحكومية والخدمات المالية بشكل ملحوظ في نمو القطاع غير النفطي، إضافة إلى مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي، والصرامة الحكومية في مكافحة الفساد.
كما أن ترقية سوق الأسهم السعودي ضمن مؤشر MSCI وهو أشهر مؤشرات الأسواق الناشئة، من المتوقع مساهمته في نمو هذا القطاع.
بطبيعة الحال ليس كل المؤشرات ستتحسن دفعة واحدة، فبعد أيام من نشر تلك النتائج أظهرت إحصائية جديدة للهيئة العامة للإحصاء زيادة طفيفة في نسبة البطالة من 12.8 في المائة إلى 12.9 في المائة (7.6 في المائة رجال، 30.9 في المائة نساء)، إلا أن التوقعات الحالية تشير لاستمرار النمو الاقتصادي بشكل عام.. تقول مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري، إنها تتوقع «بعض الارتفاع التدريجي في النشاط غير النفطي من الربع الثاني من عام 2018، مع ارتفاع عائدات النفط لدعم أقوى للإنفاق الحكومي».
وهناك مؤشرات أخرى لتعافي الاقتصاد الوطني واستمرار نموه مثل ارتفاع القروض المصرفية للشركات الخاصة في أبريل للمرة الأولى لأكثر من عام؛ كذلك زيادة عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي، وهي مقياس للإنفاق الأسري، ومن علامات التعافي.
وقال محمد الحاج، الخبير الاستراتيجي بالأسهم في بنك «إي إف جي هيرميس» الاستثماري بدبي لقناة «بلومبيرج» التلفزيونية: «كانت الميزانية توسّعية للغاية»، مشيراً إلى الخطوات التي شملت التحويلات النقدية والتبرعات للتعويض عن تأثير خفض الدعم.. «أنت ترى نتائج كل ذلك يترجم إلى أرقام نمو أقوى».
يذكر أن ميزانية هذا العام هي الأكبر حجماً في تاريخ المملكة، بقيمة 987 مليار ريال.. ومن أهم معالمها «التركيز على الخدمات ودعم القطاع الخاص لتوليد أكبر عدد من الوظائف وتحسين المعيشة للمواطن وأهمها برامج دعم المواطن كحساب المواطن، وبرامج تحفيز القطاع الخاص كبرنامج تحفيز تقنيات البناء لدعم الحلول السكنية للمواطنين».. حسب المستشار الاقتصادي، خالد الأشاعرة (سي إن إن) الذي تابع قائلاً: «إعلان ميزانية 2018، عبارة عن إعلان نهاية الركود الاقتصادي في السعودية والذي نتج عن انخفاض أسعار النفط منذ ثلاث سنوات وتخللها إصلاحات ضخمة قامت بها الحكومة السعودية»..
خلاصة التوقعات لبقية هذا العام تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي وبالأخص الناتج غير النفطي الذي يتوقع أن ينمو لأكثر من 3.5 في المائة، وحتى التقديرات المتحفظة مثل «بلومبيرج إيكونوميكس» تتوقع نموه بمعدل 2.7 في المائة.. «من المرجح أن يتسارع نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في وقت لاحق من هذا العام مع انطلاق التحفيز الحكومي».. (زياد داوود، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في «بلومبيرج إيكونوميكس»).
كل ذلك يجعلنا نتفاءل بتعافي اقتصادنا الوطني وبداية انطلاقته الجديدة وتجاوزه لكثير من التحديات.