كوثر الأربش
يقولون لك هكذا: «عش حياتك».. حينما تحتوشك الهموم، أو تضغطك الحياة، أو تكون بمواجهة مشكلة طارئة ومعقدة. «أرمي كل شيء وراء ظهرك وعش حياتك». لا أحب سماع هذه الكلمة من الآخرين حينما أكون أمام معضلة، وبالي مليء بالأرقام والصور والحلول والأسئلة. لأنها تجعلني أفكر: إذا لم تكن مشكلات الحياة، الوقوف لها، مواجهتها، والانشغال بحلها، ما الحياة إذًا؟.. الحياة ليست طريق مرصوفة، بل عبارة عن أرض وعرة لم تمهد بعد، ولن تُمهد. ارتفاعات، وانخفاضات، صعود وهبوط. إنها بحاجة لك، لأن تتوقف كثيرًا في محطاتها، تعيد اكتشاف طريقك، تحل إشكالاتك، تغلق ملفاتك العالقة، ثم تمضي.
أعيشُ حياتي تعني أني قد أتعرض للمشكلات، وتعني أن أقف بشجاعة وأواجه. اللامبالاة، ليست عيشاً، بل نوع من الهروب، بل هو الهروب بكل أشكاله.. إن كنت من أنصار هذه العبارة، قد تقول لم أقصد تجاهل المشكلة، أقصد أنك تحلها دون أن تكون تعيسًا ومهمومًا. في الحقيقة هذه مراوغة.. هل يمكن أن تطلب من لاعب كرة قدم أن يركض في طقس شديد الحرارة، طوال 90 دقيقة، دون أن يرشح عرقًا. الأمر مستحيل، أن تواجه مشكلة وتنشغل بحلها وأنت تضحك وتلقي النكات في ذات الوقت. ربما تفعلها مجاملة أحيانًا، لكن لا تجتمع لحظة انشغال البال ولحظة المرح معًا. الإشكال الثاني عندي مع هذه العبارة: أنها ارتبطت باللهو أو السفر أو العربدة. عندما يقولون لك عش حياتك، يضعون وراءها قائمة من كل شيء قد يهدم حياتك، ولك أن تحسب. أقول لهم: أنا فعلاً أعيش حياتي، ولا يصدقون. لأن عيش الحياة بالنسبة لهم يعني قفز الأسوار، يعني الجموح.. هناك من يحب الحياة هادئة وفي حدود التعقل صدقوني. قلتها كثيرًا ولا يصدقون.
بالنسبة لي، لم أقل مرة لشحص ما، أنسى مشاكلك وعش حياتك. كنت دائما أقول: دعنا نواجه المشكلة، لنحاول حلها معًا.. وأطرح حلولاً، لقد ساعدت الكثيرين، البعض توسع في دخله، أو أكمل تعليمه، أو حسم حياته الزوجية، كنت دائمًا أقول: ابحث دائمًا عن الحلول الجذرية، المسكنات ليس دواء.
ما أريد قوله، إن رأيت من تحب مهمومًا، لا تقس عليه بكلمة عش حياتك. خذ بيده وامضيا معًا لتحسين حياته. الانكسار والحزن والألم من جنس الحياة والصديق الجيد هو من يخبرك أنك بخير وأنه بقربك، وسيأخذ بيدك.