يوسف بن محمد العتيق
قبل قرابة الألف سنة اشتكى أهل إحدى القرى إلى عالم كبير من تغيرات اجتماعية كبيرة ومثيرة، ووصلت آثارها إلى كافة أهل القرية، وخافوا أن تداهمهم رياح التغيير، أو أن تؤثر فيهم هذه (الفتن)، والفتن هو مصطلح قريب من التغيير بمعايير ومقاييس تلك الفترة، فطلبوا من هذا العالم أن يوجههم كيف يتعاملوا مع هذه المتغيرات، فكتب إليهم هذا العالم جوابا أتاهم على شكل كتاب عنوانه (الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت)!
هذه وجهة نظر هذا العالم، يقول لهم ابتعدوا عن الشائعات واصمتوا والزموا بيوتكم، لتسلموا من موجة التغيير القادمة، وأن لا تفتتنوا بما يدور حولكم.
وسواء اتفقنا مع هذا العالم أو اختلفنا معه، فهو يرى أن الأسلم عند التغيرات المجتمعية الكبيرة والمثيرة للجدل والنقاش لكافة شرائح المجتمع، وليس نخبة منهم الاعتزال والابتعاد عن طوفان التغيير إن صح التعبير.
والآن، وفي يومنا هذا تحديدا، ليس لدينا أدنى شك أنه يصعب -إن لم يكن يستحيل- تطبيق هذه الفتيا التي توجه بالاعتزال، وأن تلزم بيتك، فالعالم الآن أصبح أكثر ترابطًا ببعضه البعض أكثر من أي وقت مضى، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بمفرده مستغنيًا أو مستقلا عن الآخرين مهما حاول، فهذا ممكن أن يكون أقل صعوية في فترة مضت أما في يومنا هذا فالأمر مختلف تماما.
وما ذكرته أعلاه جانب مهم، وقد لا يكون الاختلاف فيه كبيرا، وغنما هو مدخل لسؤال أحببت أن أثيره، وأناقشه هنا، وهو: هذه التغيرات التي يشهدها مجتمعنا وتسير بشكل متسارع في مجالات سياسية ودينية وثقافية ومجتمعية، ونتفاعل كلنا معها، هل نحن نوثقها وندرسها؟
أم أن الوضع كما كان في فترات سابقة من تاريخنا الاكتفاء بتوثيق أولي للخبر دون دراسة لكل متغير وسببه.
في السابق كان المؤرخ يذكر الحادثة التي حدثت، وقد تكون هزت أركان المجتمع، ولا يعلق عليها، بل يكتفي بقوله وقعت المعركة الفلانية بين آل فلان وآل فلان، أو بين أهل هاتين البلديتين، أنه حدثت المجاعة الفلانية، أو يتحدث عن أمطار غزيرة كان أثرها على الإنسان والبنيان والحيوان كبيرا جدا، أو هجرة جماعية لأهل بلدة على مكان آخر من العالم أكثر أمنًا أو يتوفر فيه الغذاء دون أن يذكر شيئا من تبعات هذه الأحداث الاجتماعية الكبيرة، وهذا أمر مشاهد لمن طالع بعض كتب التاريخ المحلية، فهي تذكر أحداث كبيرة، دون أن تعلق عليها أدنى تعليق.
قد يبدو كلامي هذا غير مقبولا لدى البعض أو أنه غير واقعي في يومنا، فكل الأحداث توثق وتكتب ويعلق عليها، إلا أني أجزم أننا في عصر تسير الأحداث فيه بهذه السرعة، وتأتي أحداث تنسيك ما قبلها يجعلنا نفكر بشكل جدي في تأليف فريق من المؤرخين وعلماء الاجتماع والسياسة، لتوثيق هذه الظواهر التي تمر بنا، ودراستها ومقارنتها بأحداث كبرى قديمة، والخروج منها بنتائج تخدم المجتمع ليكون أكثر تماسكا، وأكثر قدرة على التعامل مع المستجدات والأحداث.