د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قليل من البطالة أمر جيد للاقتصاد وكثيرها مضر به، هكذا يعتقد بعض الاقتصاديين. فقليل من البطالة يضبط سوق العمل، ويحد من تصاعد الأجور وزيادة نسبة التضخم، ويضغط على نقابات العمال عند التفاوض حول مستوى الأجور. والبطالة العالية أسوأ ظواهر الركود الاقتصادي وتدل على تدني مستوى الأنشطة الاقتصادية القادرة على توظيف الشباب لاسيما في المجتمعات التي تزخر بالكوادر الشابة المتعلمة.
ولا شك أن هناك الكثير من العوامل التي أسهمت بتفاقم البطالة عالميًا منها: تحسن صحة الإنسان وامتداد عمره وقدرته على لاستمرار في العمل؛ زيادة عدد المواليد؛ تطور تقنيات التصنيع الآلي، بما في ذلك ظهور المصانع ذاتية التشغيل (الروبوت)؛ تطور برامج الحاسب الآلي، وربما يضاف لذلك تكدس الثروات في طبقة معينة آخذة في التناقص، وتبقى البطالة مؤشرًا اقتصاديا هاما، وتبقى إحصاءات دعم العاطلين مؤشر اقتصادي وضريبي مؤثر.
ولا يجادل أحد في أن الفرد العامل المنتج يدعم الاقتصاد بينما يكون العاطل عالة عليه وعلى خدماته كافة من صحة وتعليم الخ.
وللبطالة جوانب اجتماعية وأمنية لا تقل خطورة عن الجانب الاقتصادي ليس في جونب الأمن السياسي فقط ولكن في جوانب الأمن المجتمعي أيضا، فهناك الكثير من الدراسات الاجتماعية التي أثبتت وجود ترابط مهم بين ارتفاع مستوى الجريمة ومستوى البطالة في المجتمعات، فالعاطل يفقد تدريجيًا إحساسه بالانتماء للمجتمع والولاء له، وقد يفقد قيمته الذاتية بشكل يجعله -لا سمح الله- لا يكترث للإقدام على أمور غير محمودة.
ولو تحدثنا عن حالتنا الاقتصادية، فالمؤكد أن الدولة أولت ملف البطالة اهتمامًا كبيرًا، واتخذت إجراءات كثيرة لموازنة سوق العمل وتخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة التي تشكل نسبة كبيرة من القوى العاملة في اقتصادنا، فزادت رسوم العمالة الوافدة وفرضت رسومًا إضافية على ذوي الوافدين الذي يستفيدون من البنى التحتية والخدمات دونما مساهمة تذكر، بل وسعودت بعض القطاعات بقرارات رسمية، ولدهشة الجميع ارتفعت نسبة البطالة إلى 13 في المائة تقريبًا ولم تنخفض على الرغم من انخفاض أعداد العمالة الوافدة بما يقارب 2.5 في المائة مما يطرح تساؤلاً حول طبيعة العمالة التي غادرت أو كيفية ارتباط بطالة السعوديين بتواجد الوافدين.
ومع الطفرات التعليمية المتلاحقة كمًا ونوعاً ونتيجة للتوسع في سياسات الابتعاث للجنسين، بقيت للأسف نسبة كبيرة من الشباب المؤهل عاطلة مما يشكك أيضًا في ارتباط البطالة بمستوى التأهيل للقوى العاملة في اقتصادنا أيضاً، فالبطالة شملت -مؤخرًا- مهنًا يحتاج التأهيل لها مبالغ طائلة كالطب، والصيدلة، والهندسة بما في ذلك مجالات هندسية عليها طلب كبير في الاقتصاديات الحديثة كهندسة الحاسوب والهندسة الميكانية والكهربائية.
كل هذه الأسباب تعزز الربط بين زيادة البطالة في مجتمعنا وطبيعة البنية الاقتصادية التي يعتقد الكثيرون أنها تحتاج لإعادة هيكلة لتستوعب القوى العاملة المؤهلة المحلية.
ولتدارك وضع البطالة المتفاقم قد يتوجب علينا ألا نكتفي بالرسوم فقط لأن هناك أعداداً كبيرة جدًا من العمالة الوافدة تستطيع ببساطة تحمل هذه الرسوم، وبعضها تدفع جهات التوظيف له وأبنائه الرسوم ومصاريف أخرى كبدل السكن ومصاريف تعليم الأبناء والتأمين الصحي بشكل تعاقدي يستثنى عادة منه العامل السعودي. فهناك عزوف وعدم ثقة غريبين من قطاع الأعمال عن توظيف المؤهل السعودي حتى ولو كان أكثر تأهيلاً من الوافد، وما زال بعض ملاك قطاع الأعمال ينظرون للشاب السعودي بنظرة دونية غير منصفة، وأحيانا يرون في قرب السعودي هتكا لستر وخصوصية أعمالهم ولذا يفضلون الأجنبي في الأحوال كافة.
ومما أضر بجانب التوظيف في الاقتصاد السعودي استقدام شركات خارجية كاملة بنظام الفرنشايز حيث تكون الشراكة مناصفة: التقنية والإدارة من الجانب الوافد، والاسم والتغطية القانونية والإدارية من الشريك السعودي، فيترك الشريك السعودي أمر التوظيف للوافد.
ولدى المملكة اليوم، على عكس بدايات الطفرات الاقتصادية، كوادر فنية وإدارة تمكنها من إنشاء شركات سعودية بالكامل، حكومية أو مشتركة مع القطاع الخاص، تضطلع بكل ما تقوم به الشركات الوافدة بتكاليف أقل وبتشغيل لآلاف الشباب السعودي العاطل.
وأنجح نماذجنا الاقتصادية هي الشركات الكبرى شبة الخاصة كسابك، وأرامكو، ومعادن وغيرها.
وقد تحتاج الدولة أن تسعود بقرار حكومي الوظائف الفنية والإدارية عالية الدخل مع منح البنوك والشركات مهلاً محددةً لسد هذه الوظائف بشباب سعودي، فلا يعقل أن يبيع الأطباء والمهندسون والصيادلة السعوديين الشاي في الشوارع بينما يشغل وظائفهم وافدون!! فقد صرفت الدولة مئات المليارات لتعليمهم وتأهيلهم.