رجاء العتيبي
المثقف -أي مثقف- في العالم العربي عادة يكتب وعينه اليمنى على السياسي وعينه اليسرى على الديني، ومهما حاول أن ينفك لا يستطيع، لذلك جاءت الأعمال الثقافية (مفلترة) من جانب أو (ثورية) من جانب آخر، في هذه الأجواء لا تنشأ نظريات ولا دراسات، ولا حتى أن نتلقى النظريات بصورتها الصحيحة إلا بعد أن نعجنها ونعيد إنتاجها لتبدو بشكل مرتبك يحوم حولها جدل معتاد.
في الثمانينات المثقف السعودي كان في صراع مع الصحوة، حاول مع (الحداثة) أن يفعل شيئًا من خلال منابر الأندية الأدبية (جدة) و(الرياض) تحديدًا عدد من الملاحق الصحفية الثقافية، ولكنه سقط في النهاية، لأن الديني كان أقوى في حينها بفعل (الكاسيت) الذي لم يبقَ بيتا إلا ودخله.
في التسعينيات ومع حرب الخليج الثانية تضاءلت الصحوة، وصحى المثقف قليلا وبدأ العمل، واستمر يعمل، وأعطته القنوات الفضائية مساحة من الحرية في ظل تراجع (الكاسيت)، في الـ(2000) وما بعدها بدأ صراع الاتجاهات الفكرية شيئًا فشيئًا حتى بلغ مداه في الـ10 سنوات الأخيرة، وهذا بالتأكيد يعطل أي مشروع ثقافي.
في الدولة السعودية الرابعة -إن جاز التعبير- وعى السياسي لأهمية الثقافة وأن عليه أن يفعل شيئا لنموها، وأن يقطع كل ما هو حزبي وأيدلوجي وأن يعود المجتمع إلى طبيعته متسامحا منتجا يحتكم الجمع للدولة وليس لفلان أو علان.
قدمت الدولة مؤخرا وبنجاح كبير دعما غير مسبوق للثقافة وأنشأت الهيئة العامة للثقافة، ووزارة الثقافة، وهيئة الترفيه، لأن السياسي عرف أن هذه هي واجهة الدولة الحضارية، وليس لمجموعة من البشر حينها أن تفرض على المجتمع شكلا معينا ولا أن تفصل للمجتمع ثوبا واحدا يلبسونه على هواهم. لا دولة داخل الدولة الأم.
بدأت الثقافة مؤخرا بدعم حكومي صريح وواضح وتلقت ميزانيات كبيرة ولاقى ذلك تفاؤل من مجتمع الثقافة وشكلت لها وزارة وهيئة وجمعيات ما يجعلنا أمام نقلة ثقافية متوقعة، وهي فرصة لأن تتولى بلادنا قيادة الثقافة في ظل تراجع عواصم الثقافة العربية، لتستكمل ما بدأته القاهرة وبيروت والكويت.
هكذا جاء الحراك الثقافي والفني والترفيهي وفقا لاستراتيجية وضعتها الدولة ضمن الرؤية السعودية 2030 بشكل تجعلنا مجتمعا متصالحا مع نفسه ومع الثقافة ومع العالم.