عبدالله العمري
من يعتقد أن وصول منتخب بلجيكا إلى دور نصف النهائي في كأس العالم 2018 المقامة حالياً بروسيا، وإخراجه لمنتخب البرازيل المرشح الأبرز للقب كان بضربة حظ أو صدفة فهو واهم ومخطئ جداً.
فبلجيكا لديها مشروع كروي كبير جداً انطلق منذ عام 2006 م ومهندسه هو اللاعب البلجيكي السابق ميشيل سابلون الذي يحمل سيرة مغمورة كلاعب ولكنه عمل مساعداً للمدرب الأسطوري جاي ثايس خلال كأسي العالم 1986، و1990م اللذين يعدان أفضل كأسي عالم قدمتهما بلجيكا في تاريخها حيث وصلت لنصف النهائي في المكسيك وإلى ربع النهائي في إيطاليا.
أسرار نهضة الكرة البلجيكية كانت واضحة وبسيطة جداً ولكنها عملية، فهي ارتكزت فقط على تطوير الفئات السنية في بلجيكا التي كانت تعاني من ضعف وإهمال كبيرين، وكانت الفئة العمرية المستهدفة دون عمر 6 سنوات فقط.
وقبل بداية المشروع الكروي طلب سابلون من جامعة لوفان البلجيكية أن تقوم بتصوير عدد 1500 مباراة لمختلف الفئات السنية في بلجيكا وتحليلها، وكذلك طلب من إحدى الشركات المتخصصة بعمل دراسة على وضع الفرق السنية في جميع الأندية البلجيكية وتقديم توصياتها له في هذا الجانب، وكانت المفاجأة أن نتائج هاتين الدراستين أوضحت أن اللاعب الشاب في الفئات السنية لا يلمس الكرة سوى مرتين كل نصف ساعة مما يعني أن معظم اللاعبين لا يملكون المهارات اللازمة للجري مع الكرة، وكان السبب الرئيس وراء هذه الظاهرة هو انتشار التكتيكات الدفاعية وثقافة الفوز بأي طريقة في دوريات الفئات السنية ببلجيكا، كما أن المدربين يعمدون إلى إشراك اللاعبين أصحاب البنية الجسمانية الأقوى لكي يضمنوا الفوز بالجوائز، وهي طريقة حدت تماماً من تطور اللاعبين، فما كان من سابلون إلا أن ألغى نظام النقاط في جميع مباريات الفئات السنية في بلجيكا وبالتالي تحول الهدف الرئيس في هذه المباريات من البحث عن الفوز إلى تطوير اللاعبين.
ومن هذه الدراسات العظيمة انطلق المشروع البلجيكي الكروي الضخم الذي كان أساسه من الصفر من خلال استهداف الفئات السنية وتطويرها، وهذا هو الأمر الطبيعي لمن ينشد التطور، وبفضل مشروعها الكروي الناجح تقدمت بلجيكا بتصنيف الفيفا من المركز 66 إلى ضمن أفضل ثلاثة منتخبات بالتصنيف ووصل عام 2015 إلى المركز الأول، ومن هذا المشروع الكبير برز للعالم كايدين هازارد وكيفي ندي بروين، وروميلو لوكاكو والحارس كتيبو كورتوا، ومن هذا المشروع أصبح يفصل المنتخب البلجيكي خطوة واحدة للوصول إلى نهائي المونديال.
لذا يجب أن نضع المشروع الكروي البلجيكي أمامنا إذا كنا نبحث عن النجاح والتطور، الذي لا بد أن يمر من خلال الفئات السنية لدينا، فمن غير المنطق ولا الطبيعي أن تعمل على تطوير لاعب تجاوز عمره 25 عاماً ونصرف عليه المال والوقت والجهد، والنتيجة سنظل ندور بحلقة مفرغ ولن نتطور كروياً.
معلومة أخيرة المنتخب البلجيكي غاب عن بطولات كاس العالم أعوام 2006، 2010، 2014
وهذا فيه دلالة أن البناء والتطوير يحتاج لوقت زمني طويل جداً لكي تحصل على نتائج مذهلة كما هو حال المنتخب البلجيكي الذي أبهر العالم اليوم في تطورهم الكروي الرائع.