د. جاسر الحربش
يجهل أغلب أو كل العرب، وأولهم سكان شمال الخليج العربي ما يعنيه جريان شط العرب عبر آلاف السنين للجغرافيا الشمالية الشرقية من جزيرة العرب. فيضانات شط العرب المتجمعة من دجلة والفرات ومن جداول الأراضي الإيرانية الغربية الجنوبية، هذه المياه يسقي الظاهر منها أهوار العراق الشاسعة وبساتين البصرة وما حولها، والباطن منها الذي يغوص في الأرض يتسلل الكثير منه تحت أراضي الخليج العربي الشمالية ليروي الآبار والموارد الصحراوية.
الجارة المسلمة السنية تركيا والجارة المسلمة الشيعية إيران جففتا في نفس الوقت نهري دجلة والفرات وبالتالي شط العرب. تركيا بنت حتى الآن حوالي خمسة وعشرين سداً آخرها سد إيسلو الهائل في الجنوب التركي، وإيران حولت الجداول إلى الداخل الإيراني بعيداً عن الأراضي العراقية، وزادت على ذلك بتصريف المياه العادمة المحتوية على مخلفات الكيماويات والأملاح إلى شط العرب. في أجزاء كثيرة من نهري دجلة والفرات يستطيع الصبي الصغير الآن العبور من الضفة إلى الأخرى ماشياً على قدميه، بعد أن كانت تغرق فيه القوارب قبل ذلك. مناطق أهوار العراق تحولت بمساحات كبيرة إلى قيعان جافة وسبخات تصفر فيها الرياح وتثير الغبار بعد أن كانت إحدى جنات الأرض للطيور والأسماك والجواميس وللفلاح العراقي منذ الحضارات السومرية وما قبل.
يقول بعض العرب السنة في مقابلاتهم الفضائية ومقالاتهم الصحفية إن الدولة التركية الحالية هي الأمل المنشود لحماية الديار الإسلامية مثلما يدعون أن الإمبراطورية العثمانية كانت من قبل، ويقول بعض العرب الشيعة إن إيران الخمينية هي الحصن الإسلامي الحصين ضد قوى الاستعمار والاستكبار العالمي مثلما كانت ملاذاً للشيعة أيام الدولة الصفوية كما يدعون.
يزعم بعض المحازبين العرب لتركيا أن الدولة العثمانية حاربت إيران الصفوية الفارسية دفاعاً عن الإسلام وانتصاراً للسنة، ويزعم البعض الآخر أن إيران الصفوية دافعت عن التشيع العربي ضد الطغيان التركي ودفاعاً عن عرب العراق والخليج. الزعمان كلاهما محاولة تبييض لمراحل كالحة السواد في علاقة الترك والإيرانيين بالعرب تشبه غسيل الأموال غير الشرعية.
الحقائق التاريخية المأخوذة من مراجعها العراقية والشامية والمصرية والحجازية واليمنية تقول إن الصفوية الإيرانية كانت المزاحم والمنافس الإقليمي الأقوى -آنذاك- للإمبراطورية العثمانية المماثلة لها في الطغيان والأهداف التوسعية في الجوار العربي. العرب سنة وشيعة كانوا من سقط المتاع والأتباع للإمبراطوريتين. الوضع الحقيقي كان استعماراً تنافسياً مزدوجاً موغلاً في النهب والاحتقار للعرب، وذلك هو ما أبعد المجتمعات العربية المستضعفة وحولها نحو محاولة العثور على طرف يكون نداً للقوميتين العثمانية والصفوية، فكان ذلك مثل المستجير من الرمضاء بالنار. في النهاية دفع الجميع وكلهم مسلمون فاتورة السقوط للاستعمار المسيحي الغربي، ولكن ما زالت العداوات البدائية الغبية بين الأطراف الثلاثة مستعرة.
أما ما يخص الادعاءات الإعلامية عن الدور التحضيري والتمديني والتثقيفي للدولة العثمانية والصفوية في مستعمراتهما العربية فتلك فرية تستحق مقالاً آخر. المهم الآن ما رأي عملاء تركيا وإيران العرب في التعطيش الكامل لنهري الرافدين وشط العرب؟.